Site icon IMLebanon

أولويات بايدن بعد تسلّمه الرئاسة

كتب مسعود معلوف في “الجمهورية”:

منذ بدأ المرشح للرئاسة الأميركية جو بايدن حملته الإنتخابية، ولا سيما بعد أن فاز بترشيح الحزب الديمقراطي له ضدّ الرئيس دونالد ترامب في منتصف العام 2020، أعلن سلسلة من الأولويات، سواء في السياسة الداخلية أو في علاقات الولايات المتحدة الخارجية، واعداً بتنفيذها في حال انتخابه.

المعروف أنّ ترامب، بعد تسلّمه الرئاسة في مطلع العام 2017، أجرى تغييرات كبرى في المواقف والسياسات الأميركية في شتى المجالات، وذلك في مسعى منه من جهة لترك بصمته، انطلاقاً من نرجسيته الشهيرة، ومن جهة ثانية لمحو إرث سلفه الرئيس باراك أوباما، الذي كانت علاقة ترامب به تتميز بالخصومة والغيرة وصولاً الى الكراهية، ربما لأنّ أوباما أقدر منه، ولأنّ ترامب عنصري لا يكّن للأميركيين من أصول أفريقية أي شعور إيجابي.

لقد كان بايدن نائباً للرئيس أوباما طيلة الثماني سنوات التي كان فيها أوباما رئيساً، وكان له مساهماته ودوره في معظم القرارات المتخذة في ذلك العهد، ولذلك فهو يهمّه كثيراً العودة الى السياسات التي ساهم في وضعها والإتفاقات التي ساهم في عقدها والتي نقضها ترامب، هذا بالإضافة الى القضايا والأمور الأساسية في سياسة الولايات المتحدة.

أثناء الحملة الإنتخابية، كان بايدن يشدّد على أولوية معالجة جائحة كورونا، متهماً الرئيس ترامب عن حق بأنّه أهمل الموضوع في بداية ظهور الجائحة، وقلّل من أهميتها وخطورتها، ولم يتخذ قرارات صارمة لمواجهتها، خشية أن يؤثر ذلك سلباً على الإقتصاد الوطني، الذي كان يشكّل إحدى الركائز الأساسية لحملة ترامب. كذلك كان بايدن يركّز على أولوية معالجة التراجع الإقتصادي الذي سببته الجائحة. ومع اقتراب موعد الإنتخاب، برزت تقارير إستخبارية من معظم الأجهزة الأميركية، تؤكّد حصول اختراقات سيبرانية من قِبل روسيا لمؤسسات عديدة في الدولة بما فيها مؤسسات أمنية، فصرّح بايدن أنّ هذا الموضوع سيكون من أولوياته في حال فوزه.

من الواضح أنّ الأولويات تتغيّر مع الظروف ومع التطورات على الساحتين الداخلية والخارجية، كما أنّ المرشح لا يلتزم دائماً بالأولويات التي يعلنها في حملته. من هذا المنطلق، نلاحظ أنّ أموراً حصلت وفرضت على بايدن إعادة النظر بعض الشيء بأولوياته المعلنة. فعلى الصعيد الداخلي، رفض ترامب نتيجة الإنتخابات التي لم تكن لصالحه، متهماً الحزب الديمقراطي بـ»سرقة» فوزه بالتزوير والغش، وأقنع ملايين من مؤيّديه بذلك، ولجأ الى المحاكم عبر تقديم 60 دعوى خسرها جميعاً، كما رفضت المحكمة العليا النظر بشكويين تمّ تقديمهما اليها، فما كان من ترامب إلّا أن جنّد مناصريه الذين يؤيّدونه تأييداً أعمى، وحثهم على القدوم الى واشنطن للتظاهر يوم اجتماع الكونغرس في السادس من كانون الأول للتصديق على فوز بايدن.

طيلة الفترة الممتدة من تاريخ معرفة النتائج الى يوم التصديق الرسمي عليها من قِبل الكونغرس، استمر ترامب بالتركيز على أنّه هو الذي فاز وبصورة كاسحة، وبأنّ بايدن والحزب الديمقراطي استعملا التزوير على نطاق واسع جداً، مؤكّداً انّ بايدن سيكون رئيساً غير شرعي. وفي يوم التصديق، ألقى ترامب خطاباً من أمام البيت الأبيض لمئات آلاف المتظاهرين في العاصمة، حرّضهم فيه بقوة ضدّ أعضاء الكونغرس المجتمعين للتصديق على النتائج، علماً أنّ عدداً غير قليل من الأعضاء الجمهوريين أيّدوا ترامب في رفضه النتائج، وساهموا مساهمة واضحة في تشجيع المتظاهرين على التمرّد، وقد لعب الرئيس ترامب في ذلك اليوم دوراً تحريضياً قوياً، حمل المتمردين على اقتحام الكونغرس اثناء الإجتماع، ما نتج منه مقتل خمسة أشخاص.

هذه الأحداث أدّت الى تعميق الإنقسام القوي في المجتمع الأميركي، والرئيس ترامب يتحمّل قسطاً لا بأس به من المسؤولية في هذا الإنقسام، الذي سيفرض على الرئيس جو بايدن التركيز أولاً على الوضع الداخلي، سعياً لرأب الصدع قدر المستطاع، تجنباً لأي تطورات على الأرض لا يعرف أحد ما قد تؤدي اليه، كما عليه أن يُطمئن حلفاء الولايات المتحدة، خصوصاً في حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي، بعودة بلاده الى ما كانت عليه قبل رئاسة ترامب، ولذلك فإنّه سيبدأ يومه الأول في البيت الأبيض بإصدار قرارات رئاسية لإعادة انضمام الولايات المتحدة الى اتفاقية باريس للمناخ، التي كان انسحب منها ترامب، ولإلغاء قرار ترامب القاضي بحظر دخول مواطنين من دول فيها أغلبية مسلمة الى الولايات المتحدة.

وفي اليوم الثاني، سيوقّع بايدن قرارات رئاسية أخرى متعلقة ببعض الإجراءات الخاصة بجائحة كورونا وقروض الطلاب وتمديد مِهل عدم طرد المستأجرين والهجرة وأمور داخلية أخرى، وسيرسل الى الكونغرس مشروع قانون لتقديم مساعدات الى المتضررين الأميركيين من الجائحة بقيمة حوالى تريليوني دولار.

على بايدن أيضاً، في بداية ولايته، وبعد أن يتمّ تثبيت أعضاء حكومته وكبار الموظفين من قِبل مجلس الشيوخ وفقاً لمقتضيات الدستور، معالجة مسألة جائحة كورونا بجدّية، إذ أنّ نسبة الذين يصابون يومياً كما نسبة الوفيات، تسجّل أرقاماً عالية جداً ومتزايدة باستمرار.

ومن أولويات الرئيس بايدن في السياسة الداخلية أيضاً، مسألة الإقتصاد الذي تراجع كثيراً على إثر تفشي الكورونا، ما أدّى الى تباطؤ في نسبة ارتفاع الدخل القومي وزيادة ملموسة في أرقام البطالة، وهذا أمر هام جداً، وقد وعد بايدن في حملته الإنتخابية أنّ الإقتصاد سيكون من أولويات إدارته.

هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فإنّ بايدن سيواجه تحدّيات كبرى، أولها موضوع الإتفاق النووي مع إيران، الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه في أيار 2018، وهذا سيكون موضوعاً شائكاً، إذ أنّ ترامب فرض على إيران، بعد انسحابه من الإتفاقية، عقوبات قوية لن يستطيع بايدن الرجوع عنها بسهولة، وقبل حصول بعض التنازلات الإيرانية، كي لا يتهمه أخصامه الجمهوريون بالتساهل مع إيران وبالضعف تجاهها.

هنالك أيضاً موضوع العلاقات مع روسيا بالنسبة الى اختراقها السيبراني لإدارات أميركية، وسائر المسائل العالقة بين الدولتين. والصين، حيث تميز عهد ترامب منذ بدايته بإعلان حرب تجارية على الصين أدّت إلى الإضرار نسبياً بالمصالح الأميركية، دون تأثير سلبي ملموس على الصين، التي من المتوقع أن تحلّ محل الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى إقتصادياً في العالم قبل نهاية هذا العقد. كذلك العلاقات مع أميركا اللاتينية وخصوصاً كوبا، التي صنّفتها إدارة ترامب أخيراً دولة راعية للإرهاب، بعد أن كان أوباما قد أعاد علاقات طبيعية معها.

أما بالنسبة الى الشرق الأوسط، فالموضوع قد ينتظر بعض الشيء، إذ أنّ بايدن لا يرى ضرورة ملحّة في الوقت الحاضر لإجراء تعديلات سريعة على الوضع الراهن، إلّا في حال نشوب نزاعات أو توترات قوية تستدعي تدخّلاً أميركياً سواء بالنسبة الى إسرائيل أو سوريا.

ولا بدّ من التذكير هنا، بأنّ لبنان ليس على سلّم أولويات إدارة بايدن في بداية ممارساتها الخارجية، إلّا في حال حصول حرب بين إسرائيل و»حزب الله» قد تقلب المعادلة القائمة، وقد يأتي الإهتمام بالوضع اللبناني عندما ستنصرف الإدارة، بعد أن تستقر وتعالج المواضيع الساخنة والملحّة داخلياً وخارجياً، الى معالجة جدّية لقضية الشرق الأوسط، حيث أجرى ترامب تعديلات جوهرية على سياسة الولايات المتحدة تجاهها، وكذلك الأوضاع في سوريا والعراق والخليج. أما بالنسبة الى الذين يروجون بأنّ الحكومة اللبنانية ستُشكّل بعد تسلّم بايدن الرئاسة، فالمقرّبون من إدارة بايدن يؤكّدون أنّ لا علاقة إطلاقاً بين الحدثين، وأنّ الإدارة الأميركية القادمة لا تتدخّل في تفاصيل تشكيل الحكومة اللبنانية، وأنّ كل ما يهمّها بالموضوع هو عدم تسلّم ممثلين لـ»حزب الله» وزارات أساسية.