كتب جورج سولاج في “الجمهورية”:
يتسلّم اليوم الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم ومفاتيح الحقيبة النووية وخزنة الأسرار الدولية، وسط ترقّب عالمي للمسارات السياسية الاستراتيجية التي ستسلكها الإدارة الجديدة. قد تتغيّر اللهجة ويتغيّر الأسلوب بين رئيس أميركي مغادر ورئيس آتٍ، لكنّ الأهداف العميقة لا تتغيّر ولا تتبدّل.
في الملف الإيراني مثلاً، وهذا ما يهمّ لبنان ودول المنطقة، تقوم السياسة الأميركية، اياً كان الرئيس، ديموقراطياً أو جمهورياً، على الإستفادة من النظام الإيراني وطموحاته الإقليمية، كفزّاعة في وجه دول المنطقة عموماً والخليج خصوصاً، وبالتالي تبرير الحاجة إلى بقاء قواعدها العسكرية وأساطيلها في المنطقة من جهة، وبيع الطائرات الحربية والدبابات ومنصّات الصواريخ والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي والبحري، وغيرها من الأسلحة الأميركية، الى الدول المواجهة لإيران، ما يعزّز الصناعة العسكرية في الولايات المتحدة ويزيد الاقتصاد الاميركي قوة وانتعاشاً.
من هنا يُفهم لماذا الولايات المتحدة الاميركية، حتى في عهد دونالد ترامب، لم تذهب الى درجة شن حرب على إيران أو توجيه ضربة حاسمة لها.
دول الخليج تعرف هذه الحقيقة، وتتعامل معها كأمر واقع، يبقى أقلّ ضرراً وخطراً عليها من السياسات الإيرانية والتهديدات العسكرية والأمنية. كذلك إيران، تدرك جيداً انّ لواشنطن مصلحة في استخدامها كفزّاعة في محيطها الإقليمي، وبالتالي تستفيد طهران بدورها من هذا الأمر، فتشاغب هنا، وتسلّح هناك، وتضرب هنالك، فتجيد لعب دور الفزّاعة، والإلتزام بقواعد اللعبة، فلا تتجاوز أيّاً من خطوط الحمر ميدانياً، وإنما تكتفي بالعمليات الأمنية والإستخباراتية والسيبيرية المحدودة والمدروسة بدقّة، والتهديد بالتحرّر من الإلتزامات النووية السابقة.
وبنتيجة هذا الواقع، باتت طهران تسيطر على اربع عواصم عربية، وموجودة على مثلث ثلاثة ممرات مائية استراتيجية، هي البحر الابيض المتوسط وباب المندب إضافة الى مضيق هرمز.
كذلك تطوّق طهران منطقة الخليج، من جهتها شرقاً، وعبر الحوثيين في اليمن جنوباً، ومن العراق وسوريا شمالاً، كما أنّها تطوّق اسرائيل من جنوب لبنان وجنوب سوريا وغزة.
مع الإدارة الاميركية الجديدة، لن يتغيّر شيء بين ليلة وضحاها، ستستمر التوترات بين إسرائيل وإيران، وبين دول الخليج وإيران، وقد يُخَفّف الضغط الأميركي والعقوبات على طهران، إذا أبدت استعداداً للتهدئة والتفاوض حول امتثالها للشروط الجديدة لإحياء الاتفاق النووي وضبط برنامجها الصاروخي وتدخّلاتها العسكرية والأمنية في المنطقة.
أما بالنسبة الى لبنان، فإنّ السياسة الاميركية لن تشهد تغييراً دراماتيكياً، وسيبقى ساحة للمواجهة وتبادل الرسائل غير الديبلوماسية بين الأميركيين والإيرانيين، في ظلّ عجز سياسي محلي كامل، وانهيار قاتل لا يعانده لا الإيراني ولا الأميركي.
لبنان لن يتحمّل مزيداً من الرهانات الخارجية ولا الانتظار المميت على رصيف القطار الأميركي – الإيراني الذي قد يتأخّر إلى ما بعد 2021، وهو لن يأتي بالتأكيد، لا بالمن ولا بالسلوى للبنانيين المفجوعين بكورونا والمقهورين بعجز حكّامنا وضياعهم ولا مبالاتهم بإنقاذنا.