على مرمى أيام من حزْم حقائبه لتولي مهمته الجديدة مبعوثا خاصاً ورئيساً للبعثة الأممية في ليبيا، لم يبدّل المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش «عادته» بتسمية الأشياء بأسمائها وتوجيه الرسائل القاسية إلى الطبقة السياسية في بيروت على ما آل اليه واقع البلاد التي تُصارِعُ أخطر أزمة في تاريخها.
وفي تغريدةٍ على «تويتر»، أكد كوبيتش «المؤكد» في أن مأزق تأليف الحكومة الجديدة عُلِّق على حبل انتظار تَسَلُّم جو بايدن رسمياً الرئاسة الأميركية اليوم. وكتب سائلاً «هل ستحرك الإدارة الجديدة في واشنطن الأطراف أخيراً لتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري»؟ مضيفاً: «الحكومة الجديدة لا تعني تلقائياً نهاية الأزمة، لكن لا توجد حكومة تساهم فقط بتعميق الانهيار ومعاناة الشعب».
ومضى المسوؤل الأممي في الانتقاد العنيف للسلطات وتلكئها عن كشف حقيقة الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، معلناً أن «عدم المضي في التحقيقات التقنية بانفجار المرفأ أمر غير إنساني وغير مسؤول».
واكتسبت مواقف كوبيتش دلالاتها لأنها جاءت على وقع حركة متسارعة على خط الملف الحكومي شكّل محورها الحريري الذي أجرى سلسلة استقبالات وأطلق مواقف، بما عكس أنه يتم التعاطي معه كما أنه يتصرّف على أنه رئيس وزراء مع «وقف التنفيذ»، في مؤشر داخلي كما خارجي إلى استمرار التفويض الدولي لترؤسه ما يُفترض أن يكون حكومة إنقاذ صارت أكثر إلحاحاً في ظلّ اسشراس «كورونا» ومواصلته تسجيل أرقام قياسية في عدد الوفيات (بلغت 53 الاثنين)، كما في نسب الفحوص الإيجابية التي تجاوزت أول من أمس 35 في المئة
وبرزت في هذا السياق مجموعة لقاءات للحريري، شملت المطران بولس مطر موفداً من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يعمل على إعادة وصل ما انقطع بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية ميشال عون.
وفي موازاة تحرُّك الراعي باتجاه الحريري، وبعدما كان ناشد عون المبادرة لخطوة في اتجاه الرئيس المكلف ودعوته للقاء «يكسر الجليد»، لم يقلّ رمزية اضطلاع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بمبادرة لتقريب وجهات النظر، وهو ما عبّرت عنه زيارته للحريري قبل التوجه للقاء رئيس البرلمان نبيه بري ثم عون.
وفيما أعلن دياب «أن هناك توافقاً مع الحريري على أن الأولوية هي لتشكيل حكومة بأسرع وقت»، موضحاً أن الأخير «أبدى كل استعداد وانفتاح للتشاور مع كل الجهات كي نصل إلى بر الأمان بأسرع وقت»، قال رداً على سؤال عن الفيديو المسرب (كلام عون بحق الحريري) إن «لبنان تجاوز الموضوع والأولوية لتشكيل حكومة»، ناقلاً بعدها عن بري أنه أعرب عن «كل استعداد للمساعدة لحل العقد القليلة المتبقية بموضوع الحكومة»، قبل أن يكشف من قصر بعبدا «إنني لمست كل الاستعداد لدى عون لإعادة تفعيل التأليف، وفي الوقت الّذي يراه الرئيسان عون والحريري مناسباً سيكون هناك لقاء، إن شاء الله قريباً».
أما الحريري، الذي كانت له أيضاً لقاءات ديبلوماسية شملت سفراء فرنسا وروسيا ومصر، فقال عن الاجتماع مع دياب: «تباحثنا في ضرورة تشكيل الحكومة بأسرع وقت. وكنت طوال المرحلة السابقة أبديت الانفتاح للذهاب والمجيء مرات عدة كي نتمكن من التشكيل وموقفي واضح».
وبعد النداء الذي كان وجّهه إلى اللبنانيين ومناصري «المستقبل» داعياً «للامتناع عن تنظيم أي أنشطة مع اقتراب ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري» في 14 فبراير، لزوم تفادي مخاطر «كورونا»، كرر «أن كورونا تغزو لبنان، ومن هنا أهمية الالتزام بالإجراءات التي وضعتها الحكومة»، كاشفاً رداً على إمكان تأمينه شخصياً اللقاح «نعمل على الموضوع، وسترونني أسافر أكثر وسأبقى مصراً على الحصول على اللقاح بأسرع وقت». وإذ لم يكن ممكناً استشراف الترجمات المحتملة للدينامية الجديدة على الجبهة الحكومية وإذا كانت لمجرّد ملء وقت الضائع أو عقْد لقاء صوري بين عون والحريري وفق «قواعد الاشتباك» نفسها، لم يغب ملف «كورونا» عن المشهد الداخلي وسط دعوة رئيس الجمهورية، المجلس الأعلى للدفاع إلى اجتماع غداً يُنتظر أن يخلص إلى تمديد الإقفال التام مع حظر التجول على مدار الساعة لما لا يقل عن أسبوع بعد 25 يناير الجاري في محاولةٍ لكسْب بعض النقاط على الفيروس الفتّاك بانتظار وصول اللقاحات منتصف فبراير والسماح للقطاع الاستشفائي بالتقاط أنفاسه التي لم يبقَ منها إلا القليل.