IMLebanon

تأليف الحكومة يدخل مرحلة جديدة

كتبت جريدة الأنباء الكويتية:

زار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الرئيس المكلف سعد الحريري في بيت الوسط لسببين:

٭ السبب الأول المباشر هو «التضامن» ولو متأخرا مع الرئيس سعد الحريري في موضوع «الڤيديو المسرّب» الذي اتهم فيه رئيس الجمهورية ميشال عون الحريري بالكذب بحضور دياب، خصوصا أن الحريري كان سارع الى التضامن مع دياب بعد الادعاء عليه في ملف تفجير مرفأ بيروت من قبل المحقق العدلي فادي صوان.

ما حدث أن دياب تعرّض بعد تسريب هذا الڤيديو لضغوط من داخل الطائفة السنيّة، وخصوصا من جمهور تيار المستقبل الذي وجّه إليه اتهامات تراوحت بين «الخيانة» والتواطؤ لأنه كان جالسا قبالة الرئيس عون يسمع عبارات الذمّ برئيس حكومة مكلف وقف الى جانبه قبل أيام، ومن دون أن يتفوّه بكلمة. لقد أصيب هذا الجمهور بخيبة أمل عبّر عنها بصراحة، والآن بعد زيارة دياب الى بيت الوسط، هدأت المشاعر وجرى الإيحاء بتموضع دياب الى جانب الحريري عملا برد الجميل، وبأنه أخذ موقفا وبات طرفا في وجه رئيس الجمهورية.. وبالتالي، كرّست هذه الزيارة عضويته في نادي رؤساء الحكومات وعززت شرعيته السياسية والسنيّة.

٭ السبب الثاني غير المباشر ولكنه الأهم، هو المتصل بحاجة دياب للخروج من السرايا والعودة الى بيته، وبالتالي فإنه معني بدفع عملية التأليف الحكومية وتسريعها والمساهمة في تذليل العقبات، بدءا من إعادة التواصل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.. وفي الواقع، يعاني دياب من ضغوط هائلة ويشعر بأن تصريف الأعمال بات عبئا كبيرا عليه وليس ترفا في الوقت الضائع، وأكثر ما يضايقه هو أنه مقيّد دستوريا وهناك قضايا ملحّة تحتاج الى قرارات حاسمة لا يمكن إلا لحكومة أصيلة أن تتخذها. وبالتالي، فإن قدرته على التحمّل انخفضت واستنفدت ولم يعد بإمكانه التعايش مع كرة النار الحارقة التي رُميت في ملعبه، فكان أن اندفع الى التحرك في هذا الوقت وإطلاق إشارة فحواها بأنه «تعب ولم يعد بإمكانه الاستمرار في وضع مقبل على انهيارات أوسع وأعمق في حال لم تشكل حكومة جديدة.. وعلى المستوى السياسي، يدحض دياب نظرية استمرار حكومة تصريف الأعمال الى ما شاء الله. فقد أمضى سبعة أشهر كرئيس حكومة مكتملة الصلاحيات، وخمسة أشهر كرئيس حكومة تصريف أعمال يمكن أن تستمر حتى نهاية العهد. وهذا ما يُقال وما يؤكده مسار الأمور، ولكن دياب يبعث برسالة مفادها أنه لا يمشي بهذا التوجه ولا يقبل أن تلعب ورقة استمرار حكومة تصريف الأعمال مقابل ورقة استمرار التكليف الى ما شاء الله.

لا يطرح دياب مبادرة محددة ولا يمكن تحميل تحركه أكثر مما يحتمل. تحركه أقل من مبادرة وأكثر من مسعى. إنه جزء من حركة وساطات دخل على خطها البطريرك بشارة الراعي واللواء عباس إبراهيم الذي أوحى لدياب بهذا المسعى ومهّد الطريق له. وفي لقاءاته مع الحريري وبري وعون، أبدى دياب استعداده للقيام بأي جهد وتحرك انطلاقا من موقعه وعلاقاته الجيدة مع جميع المعنيين بعملية تشكيل الحكومة الجديدة لتذليل العقد وتجاوز الخلافات، عارضا بعض الأفكار التي يراها ملائمة لتقريب وجهات النظر بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية بهذا الخصوص، مشددا على أهمية تسريع الخطى لتشكيل الحكومة الجديدة، لافتا الى تراكم الأزمات التي تواجهها حكومته والتي تفوق قدرتها على مواجهتها باعتبارها حكومة مستقيلة وتصرّف الأعمال بنطاق ضيق، في حين أن أزمة تفشي ڤيروس كورونا قد فاقمت الوضع وزادت الضغوط على الحكومة المستقيلة، إضافة الى تفاعلات الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية.

في بيت الوسط سمع دياب كلاما من الحريري يعرض بوضوح ما قام به من جهود وتحركات واتصالات بالداخل والخارج معا للإسراع بعملية التشكيل، وقدم بخلاصاتها التشكيلة الوزارية لرئيس الجمهورية ميشال عون كما ينص الدستور، ولا يزال ينتظر جوابه عليها ولكنه جوبه بحملة ممنهجة للتصعيد السياسي ضده ولا سيما من قبل رئيس الجمهورية وما ساقه ضده من اتهامات خارجة عن المألوف، مؤكدا أنه لن يعتذر عن تشكيل الحكومة الجديدة. ولكن الحريري بدا مرنا إزاء موضوع لقائه مع الرئيس عون، موحيا أنه تجاوز «الڤيديو المسرّب» وليس متمسكا بشكليات الخطوة الأولى ومن يبادر الى الاتصال أولا.. المهم أن دياب نجح في انتزاع موافقة الطرفين على اللقاء مجددا، وأن مسعاه يتوقف عند هذا الحد.

ولكن مجرد حصول اللقاء ومن دون شروط مسبقة، سيكون مؤشرا الى بداية كسر المأزق الحكومي والحلقة المفرغة التي تدور فيها عملية التأليف منذ ثلاثة أشهر.. اللقاء الجديد المرتقب ليس امتدادا للقاءات السابقة، وإنما هو افتتاح لمرحلة جديدة من التأليف، وحيث تتكاثر المؤشرات التي تدل على أنه بعد اليوم سنشهد أول محاولة جدية للتأليف وسيكون حزب الله منخرطا فيها وسيلقي بثقله لأول مرة في اتجاه الإفراج عن الحكومة بعد زوال «كابوس ترامب»، ومع بداية مرحلة أميركية جديدة وانتقالية لن تظهر مفاعيلها ولن تتبلور اتجاهاتها، خصوصا على مستوى العلاقة واحتمالات التفاوض بين إيران وأميركا، إلا في النصف الثاني من هذا العام. ولبنان ليس بإمكانه أن يقبع في غرفة الانتظار من دون حكومة جديدة حتى ذلك الحين.