Site icon IMLebanon

الفقر في صيدا: مكعّبات “مرقة الماجي” بدلًا من الدجاج

كتب محمد دهشة في صحيفة نداء الوطن:

بدأت ظاهرة استبدال اللحوم والدجاج بمكعّبات من “مرقة الماجي” تنتشر على نطاق واسع في صيدا القديمة والتعمير والفيلات وبعض الاحياء الشعبية، فالكثير من العائلات الفقيرة والمتعفّفة لم تعد تقوى على شرائها بسبب ارتفاع اسعارها اضعافاً مضاعفة في ظلّ الضائقة المعيشية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، ومع طول أمد حظر التجوّل والاقفال التام وحرمان المياومين مصدر رزقهم الوحيد.

واستبدال اللحوم والدجاج بهذه المكعّبات ليس مؤشّراً وحيداً الى الفقر المدقع، اذ وصل الناس الى الدرك الاسفل من الحضيض، واستنزفوا كلّ مدخراتهم وما يمكن بيعه، من حلي وأثاث ومقتنيات من أجل سدّ قوت يومهم، على أمل أن تنتهي الأزمة سريعاً. ولكنّ رياح الغلاء جرت بما لا يشتهون، ومؤشّرها في تصاعد مستمرّ مع التلاعب بسعر صرف الدولار في السوق السوداء.

تقول الحاجة أمينة، وقد توفّي زوجها منذ سنوات بسبب مرض عضال وما زالت تنفق على اولادها العاطلين عن العمل وأحفادها من عمل موسمي: “نعم لقد وصلنا الى هنا، نطبخ الرز على مكعّبات الماجي، لم نعد قادرين على شراء اللحوم أو الدجاج التي وصلت أسعارها الى مبالغ قياسية تفوق يومية العامل، بات الحصول عليها حلماً مستحيلاً في البيوت، والبعض أصبح يشتري بالوقية، او ببضع ليرات لبنانية”، وتؤكّد لـ”نداء الوطن” أنّ “طعام الفقراء طار، البيض والبطاطا والزيت والمناقيش ولم يعد أمامنا سوى مكعّبات ماجي، نتخيّل فقط أننا نأكل اللحوم والدجاج”.

مع اشتداد الأزمة، غاب دخان شواء اللحوم والدجاج عن البيوت، واذا تصاعدت صدفة أم نادراً من أحدها أو انتشرت رائحتها، استهجن الجيران وقالوا انّه بات من الأغنياء، وصل الأمر بالبعض الى رمق اللحوم معلّقة في محال الجزّارين، والسؤال عن أسعارها والعودة الى البيوت خاليي الوفاض. ويقول وفيق “لم نعد نشتري لحمة ولا دجاجاً، صرنا نشاهدهما فقط أو نشمّ رائحتهما، انظروا الى أين وصلنا والخوف من المستقبل القادم”، مضيفاً “ما أصعب حياة الفقراء، محاصرين بين الفقر المدقع والبطالة وجائحة “كورونا”، ضاقت الخيارات كثيراً مع الغلاء وارتفاع الدولار، فيما الدولة عاجزة وتتفرّج على الناس وهي تعاني الأمرّين من دون بصيص أمل في القريب”.

“اذا رميت التراب عليهم، يموت الناس من الجوع والغضب معاً”، تقول رئيسة جمعية “هنا للتنمية” نوال محمود لـ”نداء الوطن” وتؤكّد “أنّ اوضاع العائلات مأسوية، ولم يعد يكفي سدّ رمقها بربطة خبز أو ببعض الرزّ والبرغل، حاجات الناس تتزايد وخصوصاً مع تمديد الاقفال، ما يتوجّب إطلاق صرخة ونداء لكلّ المؤسّسات وصناديق الدعم للمساعدة”، مشيرة الى “أنّ فريق الشباب في الجمعية بدأ بمبادرة تسديد الديون في الدكاكين للناس غير القادرين على الدفع في صيدا القديمة والفيلات، والفكرة انطلقت عندما وجدت أنّ البعض غير قادر حتّى على شراء مكعّبات “الماجي” لاعداد الطعام لافراد أسرته، ونحن نتواصل مع أصحاب الأيادي البيض لتوفير الدعم اللازم للمبادرة الإنسانية”.