كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
لم يتّعظ “العهد القوي” من مشهد مغادرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب البيت الأبيض ليدخله جو بايدن، في عملية إنتقال ديموقراطية أطاحت بكلّ التهديد والوعيد ومحاولات “العنترة” واستخدام القضاء لغايات كيديّة خاصة تنسف نتائج الإنتخابات، وصولاً إلى واقعة مبنى “الكابيتول” التي عجّلت في خروج ساكن البيت الأبيض وِفق الأصول.
ولن يتّعظ هذا العهد، لأنّ ساكن بعبدا ومستشاريه يضعون ترامب ووسائله وألاعيبه في جيبهم الصغير. فهم يتقنون رفع المتاريس، وتلقيم المنجنيق بكتل من التسريبات النارية المتعلّقة بالإصرار على الشروط، مع النفي اللفظي لتمسّكهم بالثلث المعطّل، ومع الإيحاء بأنّهم يعاندون لحماية الموقع المسيحي الأوّل في ما كان دولة، وأصبح كلّ شي باستثناء الدولة. ويرفضون الوساطات بين بعبدا وبين بيت الوسط، إلا بشروطهم حتّى تاريخه.
لم ينفع تدخّل البطريرك بشارة الراعي على خطّ المطالبة بحكومة إختصاصيين، ولا عظاته الأسبوعية لتحريك قيد أنملة في الجمود الحاصل.
ولم يستطع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إحداث ثغرة في سدّ العناد والتمسّك بـ”الحقوق الشرعية” التي لا يفهمها الآخرون.
أمّا رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب فقد اجتهد، وهو يعرف أنه لن يصيب، ويكفيه أجر الاجتهاد.
فقد رفع “العهد القويّ” سقف التحدّي الشمشومي إلى حيث تصيبه من أيّ تنازل ضربة قاضية وموجعة، مقابل صمود الرئيس المكلّف سعد الحريري ورفضه أيّ تراجع يؤدّي إلى انصياع للترويض بالسوط.
وبعد، كيف يمكن إنجاز الإخراج لأيّ سيناريو من دون خسارة طرفي النزاع؟
لكن مهلاً.. هل المطلوب أن تنجح جهود أيّ من الوسطاء وصولاً إلى سيناريو يحمل في طياته معجزة الإنقاذ وحفظ ماء وجه الطرفين؟؟
أم أنّ المطلوب هو حصر هذه المعجزة بـ”حزب الله”. فوِفق حساباته وتقويمه، يعتبر أنّ الوضع يتطلّب “تحرّكاً استثنائياً” لا سيّما حالياً، فـ”الإمكانية متوفّرة لإنجاز تشكيل الحكومة، خصوصاً إذا ما تمّ القيام ببعض الخطوات التي تسهم في تدوير الزوايا وتعزيز الثقة وإزالة المخاوف بين المعنيين”.
لذا، من المتوقّع أن يظهر الحزب مواهبه في إستنباط مقوّمات “التحرّك الإستثنائي”.
ومن غيره يستطيع “إزالة الخوف بين المعنيين”؟
ومن غيره يستطيع وضع “المعنيين” على مستوى واحد ليوافق بينهم ويعزّز الثقة بينهم؟؟
ولعلّ هذا ما يخيف “العهد القويّ” الذي لم يتعوَّد على مسألة مساواته بـ”المعنيين” الآخرين.
والأهمّ أنّه لا يريد لهؤلاء الآخرين أن يكونوا معنيين بأيّ ملفّ إنقاذي ينسب إليهم ويرفع أسهمهم.
فهو ينتهج مبدأ “أنا أو لا أحد”. ووحده يجب أن يربّي القمل في رؤوس المعنيين الآخرين، لا أن يشاركهم بدائع الإنقاذ والإنجاز والإعجاز.
وهو لا يريد لعملية تدوير الزوايا أن تتمّ. وهو لن يقصّر حتى يصل الى المرتجى. المهمّ أن يعطيه الحزب فرصة ليبرهن أنّ الشراكة أصبحت موضة قديمة، وأنّ طموحه أكبر بكثير من قانون ودستور وحكي فاضي..
والأهمّ أنه لا يفهم لماذا يتمسّك “حزب الله” بالحريري؟ أو حتى برئيس حكومة في حين أن دار بعبدا قدّها وقدود؟؟