في ظل تفاقم الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية وتعثر تشكيل حكومة وخوف اللبنانيين على مستقبلهم ومستقبل أولادهم الذي يبدو سوداويا يفتح أمامهم ابواب الهجرة، ما زال بعضهم يعقد الآمال على مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وعلى دعم الفاتيكان وجهود البابا فرنسيس، علّها تتمكن من تحقيق خرق ما في جدار الأزمة وإعطاء فسحة أمل في مستقبل أفضل. فما هو دور الفاتيكان في هذا المجال؟
سفير لبنان في الفاتيكان فريد الياس الخازن أكد لـ”المركزية” “ان اهتمام الفاتيكان بلبنان متواصل وهناك حرص شديد على سلامة البلاد وتعافيها من الازمات المعروفة، وهذا الحرص لا يتوقف خصوصا في المجالات الاجتماعية والتربوية والصحية وغيرها. والبابا وجّه رسالة منذ فترة قصيرة الى اللبنانيين عبر البطريرك الراعي واكد على هذا الاهتمام لا بل القلق الشديد على الوضع اللبناني”، مشيرا الى “ان توجيه البابا رسالة له اهمية اذ تعكس المكانة الخاصة التي يحملها لبنان في الكرسي الرسولي”.
ولفت الى “ان البابا سيوجّه يوم الاثنين المقبل، الرسالة السنوية التي يلقيها أمام السلك الدبلوماسي، وسأكون حاضراً في هذا اللقاء، وتتمحور حول المواضيع والشؤون الدولية وترسم الخطوط العريضة والتوجهات العامة للسياسة الخارجية للفاتيكان للعام 2021، وسيكون فيها بالطبع إشارة الى الشأن اللبناني”.
وأشار الى “حرص عام وقلق شديد على لبنان واوضاع المسيحيين فيه وفي المنطقة، ولدى الفاتيكان استعداد لأي مساعدة وفي أي مجال، لكن الممر للوصول الى لبنان يمر عبر اللبنانيين بالدرجة الاولى، لأن هناك مسائل لا يمكن للفاتيكان او غيره ان يحل محل اللبنانيين، خصوصاً في مسألة الأزمة المالية والاقتصادية، أكان بالنسبة للفاتيكان او لغيرها من الدول المعنية، خاصة فرنسا، وقد لمست ذلك من خلال اتصالاتي مع الدبلوماسيين والمعنيين، الذين أكدوا ان الكرة في ملعب الطرف اللبناني. لكن بدون شك الارادة والنية في المساعدة موجودة. والفاتيكان يبذل جهوداً في هذا المجال، عبر المبادرات الدبلوماسية والتي يكون معظمها غير معلن عنه. ومنذ فترة، زار وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان الفاتيكان وبالطبع تطرق البحث الى الازمة اللبنانية، وهناك تواصل دائم مع المرجعيات المعنية بالشأن اللبناني، خاصة فرنسا، لكن لا نية لأحد ان يفرض على اللبنانيين ما عليهم فعله. وانا أيضا على تواصل دائم معهم في كل المواضيع المطروحة”.
وأضاف الخازن: “تجدر الاشارة هنا، الى ان جدول اعمال المجتمع الدولي ليس بالضرورة متطابقا مع جدول اعمال اللبنانيين، بمعنى ان هناك بالطبع اهتماما بلبنان، ولا شك ان لبنان بالنسبة للفاتيكان اولوية، لكن الدول الكبرى المعنية اكان في اوروبا او اميركا لديها ايضا اولوياتها. نسمع في لبنان كلاما وكأن العالم لا يفكر الا بلبنان وما الذي سيفعله من اجله، للأسف فإن تداعيات ما يحصل في لبنان من ازمات يدفع ثمنها اللبناني وليس المجتمع الدولي. لذلك على اللبنانيين ان يكونوا سباقين بالمبادرة واتخاذ القرار خصوصا في مسائل طبيعتها داخلية ومرتبطة بالاوضاع المالية والاقتصادية وموضوع الهدر والفساد، الذي هو شأن لبناني الى حد بعيد”، معتبراً “ان الفاتيكان لا يتدخل في الشؤون التفصيلية السياسية اليومية في لبنان او غير لبنان، وهو لم يوقف المساعدات الاجتماعية والتربوية الى لبنان، ولكن هناك نقطة جوهرية وهي ان طبيعة الازمة في لبنان، الاقتصادية والمالية وغيرها غير مرتبطة بالدول الكبرى انما هي امور داخلية. هناك حدود لأي تدخل او مبادرة اذا لم يفتح لها الباب الجانب اللبناني”.
وعن زيارة البابا الى لبنان، أجاب: “المشكلة في لبنان ان ثمة مبالغات في غير محلها، زيارة البابا المقررة والموضوعة على جدول أعماله في المنطقة هي للعراق في آذار المقبل، إنما من الممكن ان يعاد النظر فيها بسبب الاوضاع الامنية والوباء، لكنها حتى الساعة قائمة، ولا قرار رسمياً بعد بإلغائها. اما بالنسبة الى لبنان فليس هناك من زيارة مقررة من ضمن جدول الزيارات الخارجية للبابا لهذا العام، هذا لا يعني ان ليس من زيارة في المطلق”، لافتاً الى “ان وباء كورونا منذ العام الماضي اثر على تحركات البابا وبرامج زياراته في ايطاليا وخارجها، لأن البابا خلال زياراته لا يذهب للاجتماع مع اشخاص ضمن اربعة جدران، بل يلتقي مع الشعب وهذا يشكل خطرا كي لا نتحدث عن الامور الاخرى لا سيما الامنية منها. لبنان حظي بثلاث زيارات باباوية في العام 1964 مع البابا بولس السادس وفي 1997 مع البابا يوحنا بولس الثاني، وفي 2012 مع البابا بنديكتوس. اما البابا فرنسيس فيحب زيارة لبنان وعبر عن هذا الامر لكن في الوقت الحاضر ليس من زيارة مقررة”.