كتب صلاح تقي الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:
بات من المؤكد أنه لم تمر على لبنان أيام أسوأ من تلك التي عاشها ولا يزال، منذ تبوّأ الرئيس ميشال عون سدة الرئاسة في تشرين الأول 2016، ولا حكومة أقل إنتاجية من تلك التي شكّلها الرئيس حسان دياب عقب استقالة الرئيس سعد الحريري نتيجة ضغط الشارع الذي انتفض في تشرين الأول 2019.
غير أن الحق يقال، فإن حمد حسن الذي أسندت إليه حقيبة وزارة الصحة كان الأكثر إنتاجية بين نظرائه الوزراء، لولا أن دعوته اللبنانيين إلى عدم الهلع نتيجة انتشار جائحة كورونا أصبحت السمة المرافقة له، خصوصاً وأن عدد الوفيات نتيجة هذه الجائحة بات يتجاوز الـ60 حالة يومياً.
سلسلة أزمات في وقت واحد
وإذا كان واضحاً أن لبنان يعيش في ظل أزمة معيشية خانقة نتيجة انخفاض سعر صرف العملة الوطنية، وأزمة اقتصادية، وأزمة سياسية ناتجة عن تعنّت الفرقاء المعنيين بتشكيل حكومة جديدة وفي مقدمهم رئيس الجمهورية وصهره رئيس، التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل مقابل تمسّك الحريري، رئيس الحكومة المكلف، بشروطه المتماشية مع المبادرة “الماكرونية”.
تضاف إلى ذلك كله أزمة اجتماعية نتيجة تزايد حالات النشل والسرقة وتفشي الموبقات، فإن التخبّط الذي تعيشه حكومة تصريف الأعمال نتيجة جائحة “كورونا” التي اكتشفت أولى إصاباتها في شباط 2020، فاقم من الكارثة التي أصابت اللبنانيين حيث أنها طرقت باب صحتهم التي هي أغلى من كلّ الأثمان.
حسن سارع منذ اليوم الأول لاكتشاف تسلّل الجائحة إلى لبنان إلى وضع الخطط اللوجيستية المناسبة للتعامل مع هذه الجائحة رغم النقص الجاد في الإمكانات والتعاون بين الإدارات والقرارات التي يفترض بحكومة تصريف الأعمال اتخاذها، غير أن تصريحه عقب زيارته في الـ22 من شباط إلى مستشفى صيدا الحكومي للاطلاع على جهوزيتها لمواجهة أيّ إصابة، بات اليوم مادة للسخرية والانتقاد حيث أنه أعلن في ردّ على سؤال عن التخوف من انتشار الفايروس في لبنان “الخوف مشروع، كذلك الحذر، لكن الهلع المفرط لا داعي له”.
لم يكن هناك داع للهلع في شباط الماضي حسبما قال معالي الوزير، لكن الأرقام في يناير 2021 كما نشرتها وزارة الصحة، والبعض يشكك في حقيقتها زاعمين أنها أعلى بكثير، تشير إلى ما يلي؛ 260315 حالة مثبتة في لبنان، 2020 حالة وفاة نتيجة كورنا، والحبل على الجرار، فهل هناك داع ليخاف اللبنانيون على صحتهم؟
قال حسن “كل ما نتمناه هو التعاون مع كل فئات المجتمع اللبناني على مختلف المستويات الإدارية والشعبية”، موضحاً أن “الموضوع ليس مزحة” داعياً “المجتمع اللبناني إلى تفهّم هذه الحالات والتعاطي معها بمسؤولية”.
هنا بيت القصيد الذي أًصابه الوزير، فمع الاستهتار الواضح للبنانيين في مقاربة خطورة هذه الجائحة من حيث عدم الالتزام بالتدابير الوقائية التي جهد حسن بالتعاون مع زميلته في حكومة تصريف الأعمال وزيرة الاعلام في الترويج لها ونشر البيانات والبلاغات التوضيحية، زاد من نسبة انتشار المرض حتى بات لبنان من حيث عدد سكانه ونسبة المصابين بينهم في المراتب المتقدمة عالمياً وربما لم يعد المركز الأول بعيداً.
فالأرقام التي تسجّلها وزارة الصحة تستدعي القلق والمستشفيات التي تعج بالمصابين تستدعي الهلع، هذه هي حال لبنان مع جائحة كورونا مع إنذار جديد حول تغيّر فايروسي طارئ، فهذا الفايروس الذي نقف في مواجهته يتطور على ما يبدو، وقد حان الوقت لنتطور نحن أيضاً لنكون قادرين على التغلب عليه والانتصار في هذه المعركة بأقل خسائر ممكنة، وبالإذن منك معالي الوزير.
فضائح كبرى
حسن من مواليد العام 1969 في بعلبك. حصل على ماجستير في الصيدلة ثم على دبلوم في العام 199 من أكاديمية موسكو الطبية. ثم نال شهادة الدكتوراه في العلوم البيولوجية الجزيئية من معهد الأبحاث البيولوجية والبيئية في موسكو أيضاً.
ترأس قسم المختبرات الطبية في مستشفى الميس شتورة ولجنة العدوى والتصنيف. وهو أستاذ جامعي في الجامعة اللبنانية منذ عام 2004. انتخب في العام 2013 رئيساً لبلدية بعلبك، ثم رئيساً لاتحاد بلديات بعلبك. وشغل عدّة مواقع عملية وإداريّة، وشارك في تصميم شبكات خاصة لعدّة شركات في مجالات الإنترنت والخليوي والمصارف، وعيّن نائباً للرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تم تكليفه وزيراً للصحة العامة في حكومة الرئيس دياب المستقيلة ويتولّى تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة. واستناداً إلى الأمثال الشعبية فإن من يعمل كثيراً يخطئ كثيراً، وهذه الحال تنطبق فعلياً على حسن الذي كثيراً ما ظهر على وسائل الإعلام وهو لم ينل قسطاً من الراحة أو النوم ليضع اللبنانيين في صورة التطورات الصحية ولكنه بالمقابل كثيراً ما ارتكب “هفوات” كانت محل سخرية وانتقاد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعشية إعلان المجلس الأعلى للدفاع الإقفال العام في لبنان في محاولة لكبح جماح انتشار الوباء، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لحسن يشاركه وزير الاقتصاد في الحكومة راؤول نعمة وعدد كبير من المدعوّين إلى مأدبة غداء أقيمت تكريماً له في بعلبك دون أيّ مراعاة لشروط التباعد الاجتماعي الذي لطالما روّج له كضرورة لتجنب الإصابة بكورونا. وتعليقاً على هذه الصورة انهالت التعليقات التي وصفت الوزيرين بأنهما “يفتقدان لأدنى شعور بالمسؤولية حيث يدعوان لشيء ويطبقان نقيضه”.
وصل الأمر بالبعض إلى التساؤل عمّا يقدمه الوزيران في هذه الصورة من عِبرة؟ أيّ نموذج يخاطبان به الشعب اللبناني؟ ماذا عن الإقفال وكورونا والانتشار والتخوف من النموذج الإيطالي، والتحذيرات من بلوغ المستشفيات كامل قدراتها الاستيعابية؟
ومن التعليقات الأخرى “لا يجيد بعض الوزراء اللبنانيين التعامل مع مفهوم موقع مسؤول. فالنموذج الذي يقدم مرة تلو الأخرى، يعزّز هذا الجانب. في السابق، شارك وزير الصحة في مناسبتين اخترق بهما مبدأ التباعد الاجتماعي، سواء راقصاً بالسيف بين الجموع، أو مُشاركاً في عيد ميلاد عام في بعلبك، واليوم يشارك على مائدة إلى جانب وزير الاقتصاد.
من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الوزير والتي يصعب عليه إقناع اللبنانيين بتبريراته لها على سبيل المثال وليس الحصر، السماح لعدد كبير من الأدوية إيرانية المنشأ بالدخول إلى لبنان من دون التقيد بالإجراءات الصحيّة والفنية المطلوبة ولعله في هذا المجال أثبت فعلياً أنه يخدم مصالح الجهة الراعية لتوليه منصبه أي حزب الله، وبغض النظر عن المؤتمرات الصحافية التي عقدها والبيانات التي أًصدرها لتبرير دخول هذه الأدوية إلى السوق اللبنانية، إلا أن كل ذلك لم يشف غليل اللبنانيين الذين أصبحوا يقفون محتارين أمام استعمال هذه الأدوية من عدمها.
أما الفروقات الكبيرة التي اكتشفتها وسائل الإعلام في توزيع المساعدات الحكومية للمستشفيات حيث حظي مستشفى يعمل في الضاحية الجنوبية وبإشراف وإدارة مباشرة من حزب الله على مبلغ يساوي أضعاف أضعاف ما حصلت عليه مستشفيات في مناطق أخرى تفوق المستشفى المذكور إن من ناحية عدد الأسرّة المتوفرة أو من ناحية حجم العمليات التي تقوم بها، فقد عرّضت الوزير لانتقادات واسعة من مختلف الفرقاء المناهضين لخطه السياسي.
في الواقع، فإن جهة سياسية اتهمت الوزير حسن بارتكاب “فضيحة” في مرسوم رفع السقوف المالية للمستشفيات، والذي وقّعته حكومة دياب قبل استقالتها، من حيث دعم مستشفيات محسوبة على فريق وزير الصحة السياسي دون سواها. وذكرت تقارير صحافية أن المرسوم الذي وقّعته الحكومة قبل استقالتها تضمّن زيادات مالية على السقوف المحدّدة لكل مستشفى، لكن الزيادات لم تكن متوازنة بين جميع المستشفيات بل كانت ترصد زيادات ضخمة للمستشفيات والمراكز الصحية التابعة لحزب الله، لاسيما لمستشفى الرسول الأعظم الذي حظي بحصة الأسد، فقد حصل المستشفى المذكورة على زيادة على سقفه المالي بنحو 5.5 مليار ليرة ليصبح 14.7 مليار ليرة. وبذلك يكون سقفه المالي قد فاق أكبر المستشفيات الجامعية في البلد.
تراجع التمويل الإيراني
لم يحاول وزير الصحة تبرير ما قام به، غير أن مصدراً معنياً استغرب أن يصدر هكذا إجراء عن حسن الذي حرص طيلة فترة توليه وزارة الصحة على اعتماد الشفافية في إدارة ملف المستشفيات، لاسيما لجهة المساعدات والهبات، واضعاً هذه المسألة في إطار سياسة حزب الله المعتمدة مؤخراً بعد تراجع التمويل المباشر للحزب من قبل إيران.
غير أن الوزير النشيط، والذي رغم كل تلك الأخطاء التي يسميها البعض ”هفوات، لا يزال يصول ويجول على كافة المراكز الاستشفائية والصحية في طول لبنان وعرضه، ما عرّضه نتيجة تجاهله لإجراءات الوقاية التي وضعها بنفسه وروّج لها، للإصابة بفايروس كورونا ودخوله إلى المستشفى للعلاج.
وأصدرت إدارة مستشفى السان جورج – الحدث، الذي أدخل الوزير حسن إليه بياناً قالت فيه إنه “بعد الجهد والتعب والمعاناة والعمل الدؤوب كان وسام جهاده أن أصيب الوزير حسن بسهم من سهام فايروس كورونا وقد دخل المستشفى لتلقي العلاج، ونطمئن المحبين بأن وضعه مستقر”.
لكن منذ الإعلان عن إصابته بالفايروس بدأ البعض حملة انتقادات ضده في مواقع التواصل الاجتماعي،استحضرت عدم احترامه الإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي، ورقصه الدبكة في بعلبك، وحمله السيف على أكتاف أحد المناصرين مروراً بقطعه قالب الكاتو وصولاً إلى تلبيته دعوة إلى غداء قبل أيام بمشاركة وزير الاقتصاد راوول نعمة.
ورداً على تلك التعليقات، استغرب ناشطون من توجيه مثل هذه الانتقادات في هذا الظرف الذي يفترض أن تتوقّف عنده الشماتة والنكد، في مقابل التمنّي لوزير الصحة بالشفاء العاجل. لكن الصّور التي نشرها الوزير حسن، أو نشرت عنه، وأظهرته طريح الفراش في المستشفى، نالت هي الأخرى كماً كبيراً من الانتقادات، حيث ظهر وكأنه يقضي فترة نقاهة ولا يتلقّى العلاج الذي يفترض تلقيه نتيجة إصابته بفايروس كورونا، فلا كمامة الأكسيجين أو المصل كان معلقاً في يده، والأنكى أنه وضع كماً كبيراً من الملفات العائدة لوزارته وكان يوقعها من دون اعتماد أساليب الوقاية المطلوبة.
ومن الملفات الأخرى التي وقّعها الوزير، وكانت مثار جدل سياسي كبير، رفعه دعاوى أمام النيابة العامة التمييزية بحق مدراء المستشفيات الحكومية في قانا وحاصبيا وقبرشمون وضهر الباشق، لتلكّئهم الواضح وتقاعسهم في تجهيز أقسام خاصة بمرضى كورونا ولاسيما أسرّة العناية الفائقة، وذلك رغم الإمكانات والمساهمات المالية التي وضعت بتصرفهم من موازنة وزارة الصحة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتجهيزات بأحدث المعدات عبر قرض البنك الدولي.
في هذه الدعوى تناقض كبير مع الواقع الذي كانت إدارة المستشفيات المعنية قد أوضحته في تقاريرها التي رفعتها إلى وزارة الصحة وتبيّن حقيقة الأمر المخالف لما ورد في شكوى وزير الصحة، ما دفع البعض إلى وضع الدعوى في خانة “تصفية حسابات سياسية“ كون المستشفيات المعنية تقع في مناطق غير خاضعة لنفوذ حزب الله. وفي جميع الأحوال، يتمنى اللبنانيون اليوم للوزير حمد التعافي من الفايروس اللئيم الذي أصاب لبنان في صميمه.