يُدرك جميع المسؤولين في لبنان أن كل العناوين التي يطرحونها تحت شعار محاربة الفساد والإصلاح ليست أكثر من قنابل دخانية للتمويه عن عجزهم عن خوض المعركة الحقيقية التي تؤمن إعادة نهوض لبنان.
وإذا كان الجميع يدرك أن لا إمكان لوقف الانهيار واستعادة لبنان عافيته وحيويته من دون مساعدة البيئة الحاضنة تاريخياً، أي المجتمع الدولي وفي طليعته الولايات المتحدة وأوروبا، والدول العربية وفي طليعتها الدول الخليجية تحديداً. الكلام الأميركي واضح حيال رفض التعامل مع أي حكومة يشارك فيها “حزب الله”، والأوروبيون انضموا إلى هذا المبدأ. وأيضاً الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قالها في أيلول الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكررها بالأمس وزير الخارجية السعودي: للبنان إمكانات وطاقات للنهوض لكن الأمر يستلزم التحرّر من سلاح “حزب الله” وإجراء الإصلاحات.
وبعد تجربة ثورة 17 تشرين، أدرك اللبنانيون في قرارة أنفسهم أن الإصلاح مستحيل في ظل هيمنة سلاح الحزب، لأن من ضرب الثورة وأفشلها، سواء بشكل مباشر عبر المجموعات التابعة له في الجنوب أو عبر مجموعات تابعة له في الخندق الغميق، وسواء بشكل غير مباشر عبر المؤسسات الرسمية هو “حزب الله”.
بهذا المعنى لن ينفع مجموعات الثورة أن تبقى تشتم المنظومة الحاكمة تحت شعار “كلن يعني كلن” من دون أن تجرؤ على التصويب المباشر على الراعي الفعلي لكل هذه المنظومة أي “حزب الله”!
وإذا كان اللبنانيون يدركون أن منظومة الفساد في الداخل هي عابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب والاصطفافات التي توفّر كل أنواع الحمايات للفاسدين، فإن الوقائع أثبتت أن لا قدرة على كسر هذه المنظومة في ظل سلاح “حزب الله”، لأن هذه المنظومة تؤمّن الغطاء للسلاح من جهة، كما أن شرط هذا الغطاء هو الإمعان في الفساد وتقاسمه فيما بين الجميع وفي طليعتهم الحزب!
هكذا يتبيّن أنه تم استهلاك شعارات محاربة الفساد حتى الغثيان، قبل 17 تشرين وبعدها بشكل خاص، من دون أن تؤتي بأي نتيجة على الإطلاق. أركان العهد يريدون محاربة الفساد، وإلى جانبهم “حزب الله” وحركة “أمل” وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وكل ذلك يشكل مهزلة غير مسبوقة.
وفي المقلب الآخر صراعات مسيحية- مسيحية ينافسها فيها مجموعات الثورة، ومن دون أن يتم تحقيق أي إنجاز ولو يتيم بعيداً من الشعارات الممجوجة. والسبب واضح أن لا قانون يتيح المحاسبة من دون سيادة الدولة، لأن وحدها السيادة تمنح القانون والقضاء القدرة على المساءلة والمحاسبة، ففي كل الدول ذات السيادة الغائبة أو المنقوصة لا ينفع أي حديث عن محاربة الفساد.
بناء على كل ما تقدم لا ينفع تضييع بوصلة طريق الإنقاذ، والتي تم التأكيد عليها دولياً وعربياً. العنوان الأول حلّ أزمة سلاح الحزب الذي ينتهك سيادة الدولة وقدرتها على النهوض، والعنوان الثاني بعده المباشرة بالإصلاحات وضرب الفساد والفاسدين. هذه خريطة الطريق الوحيدة، ومن العبث البحث خارجها عن أي إنقاذ في لبنان… فهل من يسمع ويتّعظ؟!