يسعى بعض الأطراف في لبنان إلى الضغط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أجل دفعه إلى تقديم استقالته، كون لا سبيل دستورياً إلى إقالته. وهذه الأطراف هي تحديداً “حزب الله”، التيار الوطني الحر” وحلفاء النظام السوري في لبنان وبعض الساعين إلى تحقيق أرباح مالية من خلال الدخول إلى السوق المصرفية والمالية بطرق ملتوية في حال الإطاحة بسلامة.
ولكن ثمة سؤال جوهري لا يُدرك اللبنانيون الإجابة الحقيقية عليه: ماذا لو تقدّم رياض سلامة باستقالته؟
الجواب عن هذا السؤال متشعّب ومعقّد وخطير بنتائجه حسب مصدر مالي، وأهمها الآتي:
ـ النتيجة الأولى تكمن في أن رئيس الجمهورية سيصرّ على أن يكون هذا التعيين من حصته على قاعدة أن الموقع ماروني بامتياز. وبالتالي سيتفرّد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بتسمية “حاكم المركزي”، ما يعني سيطرته بالكامل على المفاصل المالية والنقدية، إضافة إلى سيطرته على شركة طيران الشرق الأوسط (MEA) التي تملكها شركة “إنترا” التي يملك أكثرية أسهمها مصرف لبنان، إضافة إلى بنك التمويل وغيره من المؤسسات.
ـ النتيجة الثانية أن تعيين حاكم بديل يحتاج إلى وجود مجلس وزراء مكتمل الصلاحيات، أي إلى تشكيل حكومة جديدة، وهذا يعني أن استقالة الحاكم اليوم ستجعل لبنان في عز انهياره من دون حاكم أصيل وصلاحياته ستجيّر إلى نوابه بالوكالة ما سيعطل إمكانيات اتخاذ القرارات ويُفسح في المجال لحكومة تصريف الأعمال الاستمرار في الصرف والإطاحة بالاحتياطي الالزامي الباقي في مهب التهريب. ولا ننسى أن منصب المدير العام لوزارة المالية شاغر أيضاً بعد استقالة ألان بيفاني، وهذا سيجعل كل المراكز المالية الأساسية في البلد شاغرة من دون حكومة وفي عز الانهيار.
ـ النتيجة الثالثة أن أي حاكم جديد يتم تعيينه سيكون مطواعاً بالكامل للجهة السياسية التي عيّنته، أي لـ”التيار الوطني الحر”، وسيكون عاجزاً بالكامل عن اتخاذ أي قرارات في عز الانهيار. وفي هذا الإطار يجدر التذكير بأن من حاربوا “السياسات الحريرية” استلموا الحكم بين العامين 1998 و2000 عقب وصول الرئيس الأسبق إميل لحود إلى الرئاسة ولم يغيّروا قيد أنملة في كل تلك السياسات، تماماً كما حين انقلب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011 وأوصلوا الرئيس نجيب ميقاتي بحكومة حكمت لـ3 اعوام ولم يغيّروا شيئاً في السياسات المالية والاستدانة ولا في الاقتصاد ولا في أي ملف. وبالتالي فإن ما يسعى إليه البعض اليوم هو مجرّد الإطاحة برياض سلامة ليتحكموا بمفاصل البلد المالية والنقدية أكثر وليس لإجراء أي إصلاح أو تغيير، والدليل الواضح هو كل ما جرى على مستوى وزارة الطاقة منذ حوالى 12 عاماً وحتى اليوم بحيث ساءت الأمور إلى درجة قياسية سلبية!
ـ النتيجة الرابعة والأخطر على الإطلاق في حال الإطاحة برياض سلامة اليوم ستكمن في ضرب القطاع المصرفي بشكل كامل وفتح الباب أمام مجموعة من حلفاء النظام السوري في لبنان لإنشاء نظام مصرفي بديل، بما يعنيه الأمر من محاولة تصفير ديون الدولة على حساب المودعين بما يسمح للمنظومة الحاكمة بالعودة إلى الاستدانة والسرقة والنهب من جديد. هذا السيناريو يعني إفلاس كل المصارف العاملة وإقفالها بما يطيح نهائيا وبشكل كامل بالودائع، وإنتاج نظام مصرفي جديد يشبه النظام المصرفي في سوريا، وخصوصاً أن مجموعة حلفاء النظام السوري تحضّروا لهذا السيناريو وتجمّعوا في أحد المصارف في قبرص، وضغطوا على حكومة حسان دياب التي أدرجت في أحد بنود خطتها المالية “منح تراخيص لـ5 مصارف جديدة” في حين أن المنطق المالي كان يجب أن يتوجه إلى تقليص عدد المصارف عبر دمجها وليس منح تراخيص جديدة!
أما توقيت الحملة على حاكم المركزي اليوم فيهدف بشكل واضح إلى محاولة ضرب خطة رياض سلامة لإصلاح النظام المصرفي عبر معادلة زيادة 20% في رأسمال المصارف وإيداع 3% من السيولة بالدولار الأميركي لدى المصارف المراسلة. وبالتالي فإن اشتداد الحملة اليوم بهذا الشكل يأتي من المجموعة المعروفة من حلفاء النظام السوري الذين يريدون كسر القطاع المصرفي لا إنقاذه، ويساعدهم بعض الشركاء معهم من المصرفيين اللبنانيين والشركاء في أحد مصارف قبرص لأنهم لا يريدون الالتزام بتعاميم المصرف المركزي ذات الصلة.
هل تنجح الخطة؟ يؤكد العارفون أن رياض سلامة لن يرضخ على الإطلاق، وهو لن يستقيل ولن يسمح بإسقاط القطاع المصرفي والوضع المالي في لبنان مهما بلغت التحديات، وأنه يملك من المعطيات والوثائق ما تجعل مواجهته في سويسرا نزهة وما يفجّر مفاجآت من العيار الثقيل بوجه المتآمرين عليه وعلى البلد.