كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كثرت في الآونة الاخيرة المراسيل على خط بكركي – بعبدا. كلما اطلق البطريرك مار بشارة بطرس الراعي موقفاً منتقداً التأخير في تشكيل الحكومة سارت بعبدا الى التوضيح. بين بكركي وبعبدا مقاربتان مختلفتان للحكومة، بينما يصرخ سيد الاولى مؤنباً السياسيين من عواقب التأخير بتشكيل الحكومة، يؤكد الرئيس الاول ان المسألة لم تعد تقتصر على خلاف حول اسماء او حقائب، منبهاً المرجعية المارونية الاعلى إلى ان الموقع المسيحي الوحيد في المنطقة معرض لتقويض صلاحياته. وازاء هذا المشهد ينقسم الموارنة بين فريق يريد لسيد بكركي ان يخوض معركة دعوة الرئيس الى الاستقالة وآخر محذراً من مغبة حصول مثل هذا الامر.
ليست المرة الاولى التي يشهد فيها الموارنة خلافات في ما بينهم. تتحدث شخصية مارونية عن نهج من المكاسرة بين الشخصيات المارونية شهدها التاريخ الماضي، مستذكرة كيف ان خلافاتهم دفعت بشارة الخوري عام 1952 الى تفضيل الاستقالة على المواجهة وكيف اصطدم خلفه كميل شمعون مع البطريرك المعوشي، الذي فشل في تحريك الشارع لدفع رئيس الجمهورية الى الاستقالة. كان المطران “البطريرك لاحقاً” بطرس صفير يومها في بكركي وواكب تفاصيل ما حصل بدقة وراقب حركة المعوشي السياسية واستخلص منها العبر، ولذا كان أول من فرمل توجه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط لاسقاط رئيس الجمهورية اميل لحود في الشارع.
ويبدو البطريرك الراعي اليوم اقرب الى سلفه البطريرك صفير منه الى البطريرك المعوشي، بحيث لا يسمح حتى بالمطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية ويتصدى لذلك، على الرغم من التباينات بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. واذا كان كمال جنبلاط قالها في الماضي، والحديث للشخصية المارونية: “نحن الذين قلنا للرئيس كن فكان ونقول له زل فيزول”، في اشارة الى قدرته على ازالة الرئيس ساعة يشاء فإن مثل هذا الامر لم يعد وارداً وصفحة الدفع باتجاه المطالبة باقالة الرئيس في الشارع طويت”. ولا تنفي مصادر مطلعة على سير العلاقة بين البطريرك والرئيس وجود تباين في وجهات النظر حول الحكومة، وقد أكد رئيس “التيار الوطني” جبران باسيل كما النائب ابراهيم كنعان والوزير السابق سليم جريصاتي ان الخلاف القائم بخصوص الحكومة ليس على توزيع مقاعد، وانما على التمسك بحق دستوري لان الدستور واضح لجهة دور رئيس الجمهورية الاساسي في تشكيل الحكومة، وان رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد. واذا كان كذلك فيعني ان لا قيمة لمنصب الرئيس بل تحول منصبه الى منصب فخري للمناسبات وقبول اوراق الاعتماد، وسيان حينها بين وجود الرئيس وعدمه. ما يلفت اليه قاصدو بكركي ان موقع رئيس الجمهورية هو الموقع المسيحي الوحيد في هذا الشرق، واضعافه بتقليص المزيد من الصلاحيات سيضعفه حكماً ليس فقط في لبنان، وقد رأينا ما حصل في العراق والمنطقة”.
فهم الراعي الدوافع لكنه في الوقت عينه واذا كان يعارض السير في مواجهة عون ولا يقوم بمسعى ضده، فهذا لا يعني انه لن يلعب دوره على مستوى الدفع باتجاه تشكيل الحكومة وفي نيته ان يحدث صدمة في هذا الموضوع.
لا خلاف مع الراعي، يقول مطلعون، لكنّ هناك مقاربتين مختلفتين حول الحكومة. يتفهم الراعي مطالبة عون بسلوك يعزز التوازن داخل السلطة الاجرائية، خصوصاً في ظل التخوف من عدم حصول انتخابات رئاسية وامتداد عمر الحكومة، ولذا هو أبلغ عدم موافقته على التمثيل المسيحي المقترح في مسودة حكومة الرئيس المكلف، لكنه يريد تشكيل حكومة بأسرع وقت. كل يصرخ في اتجاه ولكن لا خلاف حول الاساسيات لان الراعي يطلق صرخته تحت ضغط الازمة المالية.
يشاهد المتابعون كيف تطور موقف الراعي من رئاسة الجمهورية. أكد بداية على حرية العمل السياسي التي تجعل كل من يريد يطالب بما يريده، ثم صار ينبه لاحقاً المعنيين من المس بالرئيس المنتخب لفترة ست سنوات، ما دفع المطالبين الى التراجع نسبياً ولجم اي محاولة لتنظيم جبهات في مواجهة الرئاسة الاولى.
أبعد من الحكومة يقول العارفون ان الراعي يستشعر وجود أزمة حقيقية في بنية النظام، ما يدفعه إلى المطالبة باللامركزية الادارية والحياد.