IMLebanon

عون يستحضر “المجلس الأعلى للدفاع” لإنقاذ باسيل!

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

حذّر مصدر نيابي لبناني من الوقوع في الفخ الذي ينصبه رئيس الجمهورية ميشال عون بتحويل المجلس الأعلى للدفاع إلى حكومة عسكرية جديدة أُسوة بالحكومة التي شُكّلت برئاسته في نهاية عهد رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل (1988)، كبديل عن حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب الذي يرفض تعويمها بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد بذريعة أن الظروف الطارئة التي يمر فيها البلد تستدعي تفعيلها. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن الخطة التي أعدها عون تأتي بموازاة إصرار «التيار الوطني الحر» على جر الحزب «التقدمي الاشتراكي» وتيار «المستقبل» إلى اشتباك سياسي، يتطلّع من خلاله رئيسه النائب جبران باسيل إلى استحضار بند من خارج جدول أعمال المرحلة الراهنة التي تعطي الأولوية لتشكيل حكومة مهمة.

ولفت المصدر النيابي إلى أن عون طوال مدة تولّيه رئاسة الحكومة العسكرية، بانسحاب الوزراء المسلمين منها، حاول أن يستخدمها جسراً للعبور إلى رئاسة الجمهورية، ولجأ إلى شن أكثر من حرب تراوحت بين التحرير، باستهدافه الوجود العسكري السوري في لبنان ومن خلاله بعض الأطراف التي كانت متحالفة في حينها مع النظام في سوريا، وبين الإلغاء في مواجهة «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع للسيطرة على ما يسمى بالمناطق المسيحية.

لكنّ عون أخطأ في تقديره للظروف الإقليمية والدولية المحيطة بلبنان في تلك الفترة، والتي أدت إلى إخلاء قصر بعبدا ولجوئه إلى السفارة الفرنسية؛ تمهيداً لانتقاله لاحقاً إلى باريس بعد أن تلقى النظام في سوريا الضوء الأخضر الأميركي؛ لإنهاء دوره الذي جاء بالتوازي مع تحرير الكويت من احتلال الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.

واعتبر المصدر النيابي أن عون يحاول هذه المرة تكرار تجربته بتحويل مجلس الدفاع جسراً لإنقاذ وريثه السياسي باسيل، وإعادة تعويمه لعله يستعيد طموحاته الرئاسية بعد أن تراجعت حظوظه تحت ضغط الانتفاضة الشعبية التي انطلقت بعد السابع عشر من تشرين الأول عام 2019، وأدت إلى محاصرة المنظومة الحاكمة وصولاً إلى تحميلها مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي.

ورأى أن عون يتخذ من ترؤسه لاجتماعات مجلس الدفاع خط الدفاع الأول بغياب حكومة تصريف الأعمال وامتناع رئيسها دياب عن القيام بالخطوات المطلوبة لإعادة تعويم الحكومة لقطع الطريق على الجهود الرامية إلى تهيئة الأجواء لإنجاح مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة آخذاً في الاعتبار المواصفات التي أوردها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خريطة الطريق التي وضعها لإنقاذ لبنان.

وقال المصدر نفسه إن اجتماعات مجلس الدفاع تراوح مكانها، والتوصيات التي تصدر عنه لم تقدّم أو تؤخّر في وقف التدهور الاقتصادي والمالي من جهة وفي مواصلة وباء فيروس «كورونا» اجتياحه للبنان، وأكد أن توصياته تأتي «غب الطلب»، ويعدّها الفريق المعاون لرئيس الجمهورية من دون أي تعديل، وبالتالي لن تلقى استجابة من الشارع، ولا من المجتمع الدولي في ظل غياب معظم السفراء المعتمدين لدى لبنان عن الساحة، ومن بينهم عدد من سفراء دول الخليج العربي الذين كانوا انقطعوا عن التواصل مع عون ودياب ووزارة الخارجية.

وأكد أن مجلس الدفاع لم يتمكن من التعويض عن وجود حكومة فاعلة لا يزال تشكيلها قيد الاحتجاز من قبل عون الذي يحاول الضغط على الحريري لدفعه إلى الاعتذار، مع أنه يدرك سلفاً بأنه لن يتمكّن من التخلّص منه. وسأل: ما الجدوى من استمرار عون بعناده ومكابرته بعدم الاستجابة لتشكيل حكومة مهمة، وبالتالي يتصرف كعادته على أن الأمور ماشية من خلال مجلس الدفاع الذي يفتقد إلى اتخاذ قرارات تنفيذية؟

كما سأل عن السبب الذي يدعو الحريري إلى عدم مصارحة اللبنانيين، لأنه من غير الجائز أن يبقى صامتاً فيما يرتفع منسوب المخاوف حيال إغراق البلد في المجهول في ظل الفوضى القائمة من جراء تعذّر ولادة الحكومة.

واعتبر أن عون بات على يقين بأن عهده انتهى سياسيا بخلاف ما يروّج له الفريق المحيط به الذي يكابر بدوره ويرفض الاعتراف بأن تراكم الأزمات لا يسمح له بأن يديرها وكأن شيئا لم يكن، وقال إنه يراهن على إحراج الحريري، مع أن صمته لم يعد ينفع وغير قابل للصرف جماهيرياً، وصولاً إلى وضعه أمام خيارين: الاعتذار عن التأليف، والخضوع لشروطه لإنقاذ باسيل.

وتوقف المصدر أمام لجوء «التيار الوطني» وتحديداً في بيانه الصادر عن مجلسه السياسي إلى استحضار لغة الحرب التي كان استخدمها عون طوال تولّيه رئاسة الحكومة العسكرية، وذلك باستهدافه «التقدمي» و«المستقبل» لجرّهما إلى ملعبه السياسي الذي يتوخّى منه استحداث انقسام مذهبي وطائفي لصرف الأنظار عن إعطاء الأولوية لتشكيل الحكومة.

وتوقّع بأن لا ينجر «التقدمي» و«المستقبل» إلى ملعبه السياسي ليوفرا له ذريعة مجانية لتطييف ومذهبة الصراع الذي يُفترض من وجهة نظر «التيار الوطني» أن يؤدي إلى انقسام البلد على أساس طائفي يشكل إحراجاً للقوى المسيحية المناوئة لعون – باسيل ويدفع باتجاه ثني البطريرك الماروني بشارة الراعي عن التمسُّك بمبادرته بدعوة عون – الحريري للتلاقي كمدخل للتفاهم على تسريع تشكيل الحكومة.

وقال المصدر إن مجرد وقوع «التقدمي» و«المستقبل» في الكمين الذي ينصبه لهما باسيل سيؤدي حكماً إلى قيام اصطفاف سياسي بلون طائفي بخلاف الاصطفاف الحالي الذي يتموضع فيه عون وحيداً من دون أي دعم مسيحي، ويعتمد بالدرجة الأولى على الغطاء السياسي الذي يوفره له حليفه «حزب الله»، مع أن لا مصلحة له في تطييف الصراع لتفادي إحراجه في الشارع السنّي، وإن كان «التيار الوطني» يتجنّب في حربه التصويب على رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

فالتصويب على بري الداعم لوجهة نظر الحريري سيؤدي إلى خلط الأوراق، وربما يفتح الباب أمام «حزب الله» لمعاودة النظر في حساباته برفض الانخراط في لعبة إعادة الاصطفاف الطائفي، طالما أنها تستهدف حليفه الأول أي حركة «أمل» لقطع الطريق على إحداث انتكاسة في الحاضنة الشيعية.