كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ما كانت تتجنبّه القوى اللبنانية، كشفته باريس على نحو غير قابل للشك. مع دخول جو بايدن البيت الأبيض وخروج دونالد ترامب، ارتفع منسوب المتفائلين ازاء احتمال تحريك مياه المشاورات الحكومية، من باب المبادرة الفرنسية. يوم الأحد الماضي، حصل الاتصال الأول بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره الأميركي جو بادين. وفق بيان الإليزيه، كان الملف اللبناني على طاولة البحث الهاتفي بين الرجلين. اذ أشار البيان إلى “تقاربهما واستعدادهما للعمل سوياً من أجل السلام والاستقرار في الشرقين الأدنى والأوسط، لا سيما بشأن الملف النووي الإيراني والوضع في لبنان”. واتفق الرئيسان على البقاء على اتصال وثيق للغاية في الأسابيع المقبلة، بشأن هذه الموضوعات، وعلى جدول أعمالهما المشترك بأكمله.
وفق المتابعين، فقد حصل ما كان متوقعاً: الأرجح أنّ باريس تمكّنت من الاستحصال من الرئيس الأميركي الجديد على ضوء أخضر يسمح لها باستكمال مبادرتها اللبنانية، بعدما أحاطتها إدارة ترامب بالكثير من الأفخاخ والألغام، وهي كانت توحي في العلن بأنها مؤيدة للحراك الفرنسي في لبنان، لكنها في العمق، تقف له بالمرصاد لتضع عصي العقوبات في دواليبه، ما أدى الى تجميد المبادرة وفرملة اندفاعة ادارة ماكرون التي قررت بعد السابع من آب العودة الى منطقة الشرق الأوسط من النافذة اللبنانية المتصدّعة ربطاً بمصالحها الاستراتيجية.
ولهذا، يعتقد هؤلاء أنّ باريس ستعيد تفعيل محركات اتصالاتها بالقوى اللبنانية، وهي أبلغت بعض المقربين منها عن نيّتها العودة إلى الملف اللبناني الغارق في خلافات مكوناته الحكومية، وفي أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية… ولكن هذه المرّة بعدما تعلّمت من دروس الجولة السابقة.
ويشير هؤلاء إلى أنّ مسؤولين فرنسيين تواصلوا مع بعض اللبنانيين وقد وضعوهم في أجواء الاتصال الذي جرى بين بايدن وماكرون، بحيث حرص الرئيس الفرنسي على التأكيد على أهمية المبادرة التي أطلقتها بلاده لتهدئة الوضع اللبناني وهي تصب في خانة تهدئة الوضع في المنطقة وهذا ما تسعى إليه الإدارة الأميركية.
ويلفتون إلى أنّ باريس في طور الإعداد لدفع جديد لمبادرتها، خصوصاً وأنّه سبق لها أن أكدت أمام مسؤولين لبنانيين تواصلوا معها، بأنّها لم تنكفئ نهائياً عن الملف اللبناني، وهذا ما يواظب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على تأكيده في كل مناسبة.
ويشيرون إلى أنّ البيان الذي سطّرته باريس أمس بشأن التزامات طهران، يزيد من المؤشرات التي تؤكد أنّ الادارة الفرنسية قررت الدخول بقوة على ملفات المنطقة. اذ قالت الرئاسة الفرنسية، إن على إيران التوقف عن أي “استفزاز”، والعودة إلى “احترام” التزاماتها في إطار الاتفاق النووي المبرم في 2015، إن أرادت عودة الولايات المتحدة إليه. وشدد مستشار في قصر الإليزيه، خلال تبادل مع جمعية الصحافة الدبلوماسية الفرنسية: “إن كانوا جديين بشأن المفاوضات، وإن أرادوا التزام جميع الأطراف المعنية بالاتفاق، يجب أن يمتنعوا أولاً عن استفزازات أخرى، وأن يحترموا ثانياً ما توقفت (إيران) عن احترامه، أي التزاماتها”.
وفق المتابعين، فإنّ باريس لن تكرر تجربتها مع تعقيدات الداخل اللبناني بشكل يضعها أمام حائط مسدود بسبب الخلافات بين القوى المعنية، أسوة بما حصل معها في الجولات السابقة، ولذا فإنّها ستتوجه في اتصالاتها إلى ايران، في محاولة لتهدئة ملفات المنطقة. ولهذا يعتقدون أنّ تنقيح المبادرة الفرنسية سيكون خلال الأسابيع المقبلة على خطين متوازيين، مستوى داخلي يطال المسؤولين اللبنانيين، ومستوى اقليمي يطال القوى المعنية، على أمل أن تتمكن من اختراق الحواجز المرفوعة بين الاصطفافات.