كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
في ظل الوضع الاقتصادي والصحي الراهن ما عاد موضوع مشروع الموازنة وإحالته الى مجلس الوزراء هو الحدث، رغم تأخّر هذه الخطوة 4 أشهر، فالبلد أصبح في مكان آخر. وهذا المشروع، أيّاً يكن محتواه، لن يستطيع ان ينقذ اللبنانيين من المستنقع الذين هم فيه، رغم انّ ما تسرّب عنه حتى الآن يُظهر انّ كفّة الشق الاجتماعي والمساعدات أصبحت بارزة أكثر من الموازنات السابقة.
أُحيل أمس مشروع الموازنة العامة للعام 2021 إلى رئاسة مجلس الوزراء، مُرفقاً بتقرير مفصّل عن الأسس المعتمدة في إعداد المشروع وأبرز التغيّرات بين قانون موازنة 2020 ومشروع موازنة العام 2021. في السنوات الماضية كان اللبنانيون ينتظرون الموازنة ليعرفوا رزمة الضرائب الجديدة التي تنتظرهم، ورغم انّ عبء الضرائب كان يزيد عاماً بعد آخر، الّا انّ العام 2020 شكّل الضربة القاضية على كل الصعد.
فماذا يمكن ان يتضمّن مشروع موازنة 2021؟ وهل تنفع الموازنة في ظل غياب اي خطوة اصلاحية وانقاذية لبلد ينهار منذ حوالى العامين، وأمواله سرقت ولا تزال تحت مسمّى الدعم؟ فهل يكفي مداواة مصائب الناس بموازنة ربما سيستغرق درسها وإقرارها بضعة أشهر، بينما سبق لمجلس النواب ان أقرّ البديل من خلال إقراره الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية؟ ومن أين سيتم تأمين الايرادات بعدما تراجعت مداخيل الدولة حوالى 45%؟
في السياق، اعتبرت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انه أيّاً يكن ما يتضمّنه مشروع موازنة العام 2021 فإنه لن يكون سوى مجرد توقعات للإيرادات والنفقات، وحجم العجز إذا وجِد، وكيف سيتم تمويله وعلى الأرجح بالليرة اللبنانية عبر الاستدانة من مصرف لبنان. ورأت انّ من إيجابيات إنجاز الموازنة انها ترسم صورة عن المنحى الذي يتخذه البلد والى أين يتجه من خلال معرفة اين اصبح حجم الدين العام، حجم النفقات بالليرة، حجم الإيرادات، نسَب التضخم، نسبة تراجع الناتج المحلي الإجمالي…على انه يمكن تشخيص وضعنا السيئ انطلاقاً من الاجابات عن هذه الأسئلة، مشددة على انّ الموازنة هي بمثابة تشخيص للمرض ولا تقدّم العلاج.
واعتبرت المصادر ان تقديم الموازنة هو استحقاق دستوري، لكنّ إقرارها من دون إرفاقها بمشروع مع صندوق النقد ومن دون تشكيل حكومة وتوجّه إصلاحي كبير، يبقى لزوم ما يلزم. وتوقعت ان تكرّس الموازنة حجم النفقات الجارية من معاشات وتعويضات نهاية الخدمة ومستحقاتٍ للبلديات، حجم ديون الدولة ومستحقات فوائد سندات الخزينة بالليرة، لافتة الى انّ خطة الإنقاذ الحكومي التي أعدّتها حكومة حسان دياب اقترحت حسماً بنسبة 40% على سندات الخزينة مع تخفيض الفوائد، الّا انّ هذه الخطوة لا يمكن ان تتحقق اليوم لا سيما بعد الخسائر التي مُنيت بها المصارف، وهي لا تزال تؤمّن نفقاتها الجارية منها.
وعمّا اذا كان يمكن تصفير عجز الموازنة، قالت المصادر: انّ المشكلة هذا العام ان لا إيرادات للدولة
من جهته، اعتبر النائب ياسين جابر انّ ما يميّز موازنة العام 2021 انها لا تتضمّن بند تسديد خدمة الدين على سندات الـ«يوروبوندز»، والذي كان يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة كونه كان يستحوذ على 40 في المئة من الموازنة. امّا عن ديون سندات الخزينة المحلية، فدعا جابر الى ضرورة إعادة جدولتها وخفض الفوائد عليها، اذ لا يجوز ان يدفع المصرف صفر فائدة للمودعين ويحصل من الدولة على فائدة بنسبة 8 الى 10%.
في المقابل، لَحظت الموازنة أيضا جانبا سلبيا يتمثّل خصوصا بتراجع المداخيل غير المباشرة المتأتية، خاصة من الجمرك عند الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة والاتصالات.
وأكد جابر ان لا مشكلة اليوم تعوق إقرار موازنة 2021، فهناك سوابق تشهد على أن حكومات تصريف الأعمال سبق أن أقرّت موازنات عدة، وهي في هذه الحال تقدم اقتراحات إلّا انّ المجلس النيابي هو الطرف الملزم بالموازنة ويقع على عاتقه إقرار الموازنة.
بدوره، اعتبر الباحث في الشؤون المالية والإقتصادية البروفسور مارون خاطر انّ إحالة مشروع الموازنة الى رئاسة مجلس الوزراء خطوة أولى جيدة في رحلة الألف ميل لإقرارها حكومياً قبل وصولها الى مجلس النواب.
وأشار لـ«الجمهورية» الى أنّ عوامل عدة أدّت الى تأخير إعداد الموازنة. وبالاضافة الى كارثتي مرفأ بيروت وكورونا، تأخّر مشروع الموازنة 5 أشهر بسبب استقالة الحكومة والخلافات على الاصلاحات وعلى تقويم خسائر مصرف لبنان، علماً انه ما ان تصل الموازنة الى لجنة المال والموازنة سيُعاد النظر بها كاملة، إذ انه حتى الساعة ليس واضحاً من اين ستأتي الدولة بالإيرادات؟
واعتبر خاطر انّ الموازنة تشكّل في حدّ ذاتها أحد أبرز الخطوات الإصلاحية التي يطلبها صندوق النقد الدولي. ويُساعد إعداد الموازنة وإقرارها في وضعِ تشخيصٍ دقيق للوضع الاقتصادي، يُعتبر بمثابة اعتراف رسمي بأننا بلد بحاجة الى المساعدة اذا تمكنّا من تحرير سعر الصرف او لا، واذا شُكّلت الحكومة او لا. عبر هذه الموازنة تطلق الحكومة والمجلس النيابي نداء استغاثة اقتصادي، يُظهِر الى العلن اننا بلد لا يعرف حجم إيراداته، واننا رسمياً متّجهون نحو الفقر والجوع. وبالتالي، انّ الموازنة هي بمثابة دق جرس الإنذار باتجاه المجتمع الدولي ورسالة اننا فعلاً في حالة يرثى لها.
وعمّا يجب ان تتضمّنه، قال: كنّا ننتظر سنوياً الموازنة من اجل معرفة التدابير الإصلاحية التي ستلحظها وهي في غالبيتها لا تُنفّذ، لذا المطلوب هذا العام ان تطبّق الإصلاحات لا ان تبقى حبراً على ورق.
أما ابرز الإصلاحات المطلوبة، فهي: إيجاد حل جذري وفوري لمشكلة الكهرباء، إقرار قانون صارم لـ«كابيتال كونترول»، إقرار قانون لاستعادة الأموال التي خرجت بطريقة استنسابية، الإستفادة من كارثة تدهور سعر الصرف من أجل هيكلة الدين العام وحل مشكلة اليوروبوندز المتداولة حالياً بأسعار زهيدة، اعادة هيكلة المصارف من خلال الإقرار بالخسائر ثم توزيعها بطريقة عادلة تضمن سلامة أموال صغار المودعين ممّن لم يستفيدوا من أرباح الهندسات المشبوهة، إقرار قانون عصري للشراكة بين القطاع العام والخاص لتشجيع الاستثمار في البنى التحتية، إطلاق تحقيق جنائي مالي شامل ضمن أولويات محدّدة، رغم عدم إمكانية إعداد فَذلكة للموازنة، العمل على تخفيض الانفاق العام والطلب من مجلس الخدمة المدنية القيام بعملية إعادة توزيع لموظفي الخدمة العامة بما يضمن ارتفاع فوري للإنتاجية.
وعن قدرة الحكومة على تصفير العجز في موازنة 2021، قال: حتى لو تم تصفير العجز دفترياً تبقى المشكلة الحقيقية في غياب التدفقات المالية، لافتاً الى انّ الاوكسجين الوحيد الذي يمكن التعويل عليه اليوم هو صندوق النقد الدولي، لكن ليس في الشق المالي فقط إنما من حيث الإصلاحات التي سيفرضها.
أخيراً، أشار خاطر الى أنه قد يكون من المفيد أن تشكل المبادرة الفرنسية المنطلق الأساس لمشروع الموازنة العتيد، ما قد يساعد على تفعيلها كونها تشكل المرتكز الوحيد لحل الأزمة.