كتب محمد دهشة في صحيفة نداء الوطن:
لم يعد الناس يبالون كثيراً بقرار الاقفال العام ولا بتفشّي فيروس “كورونا”، قناعتهم أنّهم مهدّدون بحياتهم بمختلف الاحوال وهم يئنّون تحت وطأة الفقر المدقع والجوع، محرومين من أبسط حقوقهم بالعيش الكريم، والخشية من أن تصل الأمور الى “عسكري دبر حالك”.
وفي ظلّ أزمة مزدوجة صحّية ومعيشية غير مسبوقة، يتدحرج الغضب الشعبي قطاعاً بعد آخر، وقد تصدّر المشهد الاحتجاجي في صيدا لليوم الرابع سائقو السيارات الذين شكوا من عدم تأمين كفاف يومهم مع عدم استثنائهم من حظر التجوّل والاقفال العام ومنعهم من العمل، وارتفاع اسعار قطع غيار سياراتهم وتحرير محاضر مخالفة بحقّ عدد منهم تثقل كاهلهم وقد وصلوا الى حافة الجوع.
في ساحة الثورة عند “تقاطع ايليا”، افترش السائقون الأرض، ركنوا سياراتهم جانباً، رفعوا صرختي غضب واحتجاج للمطالبة باعادة السماح لهم بالعمل الذي يقوم على “قوت لا يموت” و”كلّ يوم بيومه”، وسط إجراءات أمنية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ورفع عدد منهم محاضر مخالفة حرّرت بحقّهم لاسباب مختلفة.
وقال السائق أحمد غلبان لـ”نداء الوطن”: “جعنا بدنا نعيش، لم نعد قادرين على الجلوس في المنازل من دون تأمين مصروفنا، وكثير من السائقين لم يعودوا يرغبون بالعمل بالرغم من التصاريح المسبقة بسبب الخشية من تحرير محاضر مخالفة بحقّهم، يئنّون تحت الجوع والفقر، نريد إنصافنا في حياة كريمة والسماح لنا بالعمل وِفق إجراءات الوقاية، والغاء محاضر الضبط على أن تمرّ الأزمة الصحّية والمعيشية سريعاً”.
احتجاج السائقين وروايات معاناة يومياتهم المتعدّدة مع عدم العمل والفقر، تلاقى مع ناشطين انضمّوا اليهم لدعمهم في تحقيق مطالبهم، عادت الساحة تنبض بهم رفضاً للإقفال من دون تأمين مساعدات إغاثية أو مالية تساعد العائلات الفقيرة والمتعفّفة على عبور “تسونامي” الوباء والغلاء وارتفاع الأسعار بأقلّ الخسائر الممكنة، في ظلّ مؤشرات سلبية على أنّ القادم اسوأ مع استمرار الخلافات السياسية والمراوحة في تشكيل الحكومة العتيدة.
وتقول صفاء وهبة لـ”نداء الوطن” وهي تراقب حركة الاحتجاج بغضب: “لقد فقدنا الأمان الصحّي والأمن الاجتماعي ونسير الى المجهول في حقل من الألغام، كلّ يوم تنفجر أزمة، تصيب الناس بشظايا إضافية من دون أن تلوح في الأفق حلول قريبة، الناس متروكة لمصيرها، تنزف بجراحها، والمطلوب خطّة توازي بين الأمن الصحّي والاجتماعي كي لا تموت الناس بهما”.
على خط ّمتواز، تسير المدينة نحو احتواء انتشار فيروس “كورونا”، وقد رفعت من جهوزيتها. ويسابق مستشفى صيدا الحكومي الزمن للمزيد من الإستعداد بعدما واجه منذ بدء تفشّي الوباء مسؤولية علاج المرضى، وسيتحوّل مركزاً رئيسياً للتلقيح. ويقول رئيس مجلس الإدارة، المدير العام الدكتور أحمد الصمدي “إنّ المستشفى أثبت قدرة على التحدّي ويستوعب اليوم ما بين 40- 45 مريضاً، وبالرغم من كلّ الضغط الذي مرّت به المستشفيات، لم نرفض أيّ مريض، ونحن بصدد زيادة غرف العناية الفائقة من 8 الى 22، وقد عالجنا منذ بداية الشهر الجاري نحو 130 مريضاً، واستقبلنا في قسم الطوارئ أكثر من 200 مريض تلقّوا العلاج وتابعناهم في المنازل”.
وفي رسالة دعم، تفقّد المستشفى رئيس لجنة لقاح “كورونا” عضو اللجنة الوطنية للامراض الجرثومية والمعدية الدكتور عبد الرحمن البزري، على رأس وفد من “تجمّع المؤسسات الأهلية”، الذي أطلق مبادرة لإعادة تأهيله وتنظيفه، بينما أكّد البزري “أنّنا ندرس امكانية اعتماد احد المستشفيات الكبرى أو الجامعية في صيدا للتلقيح، أو الاستفادة من امكانيات المستشفى التركي، وسنقوم بتلقيح كل الموجودين على الاراضي اللبنانية تباعاً”.
وعلى دعم المستشفى وإنجاح اللقاحات تلاقت القوى السياسية الصيداوية، فاجتماع مجدليون لمتابعة تطورات “كورونا” لم يتوان عن دعمه منذ بداية الأزمة، وما زال رئيس جمعية صيدا وضواحيها علي الشريف يتابع احتياجاته يومياً مع الصمدي. ومع بدء العدّ العكسي لوصول اللقاحات، قطعت المدينة ومنطقتها مرحلة متقدّمة في التحضير لعملية التلقيح وأنجزت المرحلة الأولى من تعبئة الاستمارة الصحّية بهدف تنظيمها بحسب المعايير الصحّية الدولية والأجندة الوطنية.
واعتبرت النائبة بهية الحريري “أنّ صيدا تستبق وصول اللقاح بتسطير قصة نجاح بإطلاق الاستمارة الصحّية لتنظيم الحصول عليه وِفق خطة الوزارة لأنها هي من ستعطي شهادة اللقاح”، موضحة أنّ العمل متواصل على صعيد التحضير للقاحات بالتعاون مع كلّ الشركاء، وقد تمّ اعتماد مستشفى صيدا الحكومي كمركز للتلقيح، لكن هناك بحث في امكانية مساهمة المستشفى التركي بتخصيص قسم منه كمركز للتلقيح”.