كتب منير الربيع في “المدن”:
يدور في الكواليس السياسية والديبلوماسية كلام كثير حول الرهان على التكامل الفرنسي – الأميركي في مقاربة الملف اللبناني، في المرحلة المقبلة. وتؤكد معلومات أن الإدارة الأميركية الجديدة تؤيد المبادرة الفرنسية، ولا تريد عرقلتها. والعمل جارٍ بين الطرفين على بحث مقومات التكامل بين المبادرة الفرنسية وما تريده الولايات المتحدة الأميركية في لبنان.
بين العقوبات والترسيم
باريس طلبت من الإدارة الأميركية تجميد سياسة العقوبات على شخصيات لبنانية، لأنها تؤثر سلباً على المساعي السياسية وتسهم في عرقلتها. في المقابل، تهتم واشنطن بعملية ترسيم الحدود. وتعتبر مصادر أميركية أن إنجاز ملف الترسيم يؤدي إلى تمكين الإدارة الأميركية من لجم أي تصعيد إسرائيلي يهدف إلى إرباك واشنطن.
والترسيم يعني إرادة ضمنية على حماية الاستقرار في جنوب لبنان، وبدء مفاوضات موازية حول ملف سلاح حزب الله وصواريخه ومعضلة مزارع شبعا. لكن هذه الملفات تحتاج إلى مفاوضات على المدى الطويل. والأساس هو وضع الإطار العام، خوفاً من حال الضياع القائمة حالياً، والتي قد تؤدي إلى زيادة التوتر.
هنا تعمل واشنطن وباريس على نسج سياسة التكامل: المبادرة الفرنسية بمواكبة أميركية لإعادة إحياء ملف ترسيم الحدود. وهذا ما تشدد عليه السفيرة الأميركية إلى حدّ بعيد، في جولاتها على المسؤولين اللبنانيين. وتؤكد المعلومات أنها تريد إحياء المفاوضات، والبناء على قواسم مشتركة، بدلاً من الطروحات التصعيدية التي أدت إلى الخلاف والعرقلة. وهذا كان مبحثاً أساسياً خلال لقائها رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي أبدى استعداده للتعاون والتفاهم، وقال في بيان صادر عن القصر الجمهوري إن الهدف هو إعادة البحث في ما طرح على الطاولة. فسّر كلامه هذا على وجهين: تصميمه على التمسك بطرح 2290 كلم مربع، والعودة للتفاوض على 860 كلم، لقاء تحصيل إعادة الإعتبار لجبران باسيل، بعدما طاولته العقوبات.
التهديدات الإسرائيلية
يقود الاهتمام الأميركي المكثف بإحياء ملف الترسيم إلى أن الهدف هو تحديد موعد جديد للمفاوضات، والعودة إلى إتفاق الإطار، أي التفاوض على 860 كلم مربعًا. وهذا ما يتمسك به الرئيس نبيه برّي وحزب الله، وعدم المطالبة بما هو أكثر. والتركيز في المرحلة المقبلة على تحديد موعد لجلسة جديدة.
ويأتي هذا التحرك على وقع الضغوط الإسرائيلية المستمرة. وكان آخرها كلام رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي الذي أطلق رسائل في اتجاهات متعددة، دُعّمت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الجولان السوري وإلى الحدود اللبنانية، مع كلام تهديدي جديد بشأن صواريخ حزب الله المنتشرة بين المنازل.
لذا، تعمل واشنطن وباريس على سحب أي فتيل توتر، ومنع إسرئيل من الإقدام على خطوة تصعيدية قد تشعل المنطقة. والركيزة الأساسية في هذا المسعى تنطلق من إيجاد أرضية مشتركة تحافظ على الاستقرار اللبناني حدودياً وداخلياً.
العالم والقوى المحلية
في هذا الإطار تراقب عواصم العالم التحركات الحاصلة في المناطق اللبنانية، مع ارتفاع منسوب الخوف من احتمال تناميها، واتخاذها أشكالاً متوترة وعنيفة، قد تدفع جهات متعددة إلى استغلالها للمساهمة في اهتزاز الاستقرار الأمني والاجتماعي.
تستخدم الدول هذه المشاهد في آليات ضغطها على القوى السياسية اللبنانية، لتحفيزها على التوافق، فيما تستمر اللعبة الداخلية المعروفة: تقاذف الأطراف المسؤوليات، وتبادلهم الإحراجات في ما بينهم. فهذا يتهم ذاك بإثارة الشارع، بهدف دفعه إلى تقديم التنازل حفاظاً على الاستقرار ومواكبة للمساعي الدولية.