كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
أعاد حراك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الروح بعض الشيء لمسار تأليف الحكومة، لكن هذا التقدّم بقي في الإطار الشكلي لأن الأمور لا تزال معقّدة.
يحاول اللواء إبراهيم مساندة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في المهمة الشاقة التي يقوم بها، لكنّ كل الطروحات تسقط بضربة غياب الثقة بين المسؤولين عن عملية التأليف.
وفي هذه الأثناء خرقت زيارة الرئيس فؤاد السنيورة إلى بكركي الأجواء السائدة، ومعروف أن البطريركية المارونية كانت من أكبر المساندين للرئيس السنيورة بعد محاولة “حزب الله” تنفيذ الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية عام 2005، واختار حينها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير مساندة الحكومة الشرعية في وجه محاولات الإستقواء بالسلاح غير الشرعي.
ويعود السنيورة إلى بكركي وهو خارج اللعبة السياسية، ولا يتدخّل إلّا من خلال نادي رؤساء الحكومات السابقين، ذاك النادي الذي كوّن حيثية له في الفترة الماضية وبات له تأثير معنوي يفوق حجمه السياسي.
ويبدو السنيورة في هذه اللحظة التاريخية أقرب إلى نظرة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وحزب “القوات اللبنانية”، من أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري يقوم بمهمّة شاقة ولن يسمح له “حزب الله” والعهد بالنجاح في مهمته.
ويُبدي السنيورة حرصاً على إنقاذ المبادرة الفرنسية من خلال تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّة، وهذا الأمر يتفق به مع البطريرك الراعي إتفاقاً تاماً، إذ إن أجواء لقاء الرجلين كانت بالتشديد على قيام مثل هكذا حكومة وعدم القبول بحكومة سياسية مبطّنة تشبه حكومة الرئيس المستقيل حسّان دياب، لأنها ستؤدّي بلبنان إلى الخراب.
سعى السنيورة خلال جلسته مع الراعي إلى الإطّلاع على المسار الذي تسلكه مبادرته والعراقيل التي تواجهها، وما إذا كان قادراً على المساعدة وخصوصاً داخل الملعب السنّي، من دون أن يعني ذلك القيام بوساطة مع الرئيس سعد الحريري من أجل تليين موقفه، لأنه يعتبر أن العقدة الأساسية موجودة عند “حزب الله” ومن ثمّ في قصر بعبدا وعند رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، وليس في وارد الضغط على الحريري لتقديم تنازلات.
كان السنيورة أوّل من دعم نداء الراعي المُطالِب بحياد لبنان، ويحاول أن ينال هذا المطلب دعماً عربياً وخارجياً، لذلك أكّد السنيورة في لقاء الأمس إستمرار تأييده الحياد، ودعمه مواقف الراعي الوطنية التي فتحت آفاقاً لحلّ الأزمة اللبنانية وإعادة الإعتبار للدولة في وجه تمدّد “الدويلة”.
يريد السنيورة الحفاظ على إستراتيجية الصراع في لبنان بين مشروع الدولة من جهة ومشروع “حزب الله” المدعوم من إيران من جهة أخرى، لذلك يعتبر أن كل صراع طائفي لا يصبّ في خدمة مشروع الدولة، وأنّ هناك فريقاً حليفاً لـ”حزب الله” يحاول أخذ المشكل وإلباسه طابعاً سنّياً – مسيحياً، بينما الحقيقة أن الصراع هو بين من يريد لبنان المزدهر وبين من يعمل على تغيير وجهه.
وحضرت أحداث طرابلس بقوّة في لقاء الراعي مع السنيورة، إذ إن وجهات النظر كانت متطابقة حول أن إفقار الشعب سيؤدّي إلى ما نشهده في عاصمة الشمال، وهذا الامر قد يتمدّد إلى باقي المناطق، لذلك يجب الإسراع في المعالجة قبل فوات الأوان.
وكان السنيورة قد زار بكركي برفقة الوزير السابق رشيد درباس، وأشار بعد اللقاء إلى أن “الاقتراح الذي كان تقدّم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته للبنان، هو أنه استطاع أن يصوغ ما سمعه من اللبنانيين والشباب الذين كانوا يتظاهرون بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت وتدمير جزء كبير من العاصمة. وصاغ المبادرة على أساس تأليف حكومة إنقاذ حقيقي من غير الحزبيين ومن وغير الوجوه التي قامت في الفترة السابقة بممارسات لم تؤدِّ الى نتيجة. والحقيقة أن ما نراه هو استعصاء مستمر وإنكار متزايد لدى من هم في السلطة وفخامة الرئيس. وأعتقد أن من يقف وراء هذا التعطيل هو “حزب الله” الذي يبدو أنه لا يريد تأليف حكومة في المدى القريب، بل يريد أن تستمر الأمور كما هي لتبقى ورقة لبنانية يتفاوض بها الحزب وإيران مع الولايات المتحدة، وهو أمر غير مقبول بتاتاً”.
وأضاف: “خلال الحديث مع غبطة البطريرك استشهدت بحديث كنت قد قلته بعد لقائي الأخير مع الرئيس نبيه بري، وهو أن أمام الرئيسَين ميشال عون وسعد الحريري يوجد خياران: إما تأليف حكومة تُرضي السياسيين وتهدم ما تبقّى من لبنان، أو حكومة تُرضي اللبنانيين والمجتمعَين العربي والدولي لتكون أول خطوة في مسار الاصلاح الطويل، وإلا فسنصل الى الارتطام الكبير والانهيار التام. فمن دون حكومة لا يمكن إخراج لبنان من حال الانهيار المستمرّة”.