كتبت فاتن الحاج في جريدة الأخبار:
مواد ثلاث في مشروع موازنة 2021 كانت كافية لإشعال صفوف الأساتذة والموظفين ضد ما سموه «عملية ذبح علنية»، وتغييراً في شروط الوظيفة العامة. وبدا أساتذة التعليم الثانوي الرسمي رأس حربة في الحركة الاعتراضية، إذ لم يكَد المشروع يُسرّب، مساء الاربعاء، حتى وزّع هؤلاء المواد التي تمسّ بأمنهم الاجتماعي والوظيفي وهي: خفض التصنيف الصحّي لموظفي الفئة الثالثة من الدرجة الأولى إلى الثانية (المادّة 105)، حرمان الموظف الجديد القادم إلى الوظيفة العامّة من المعاش التقاعدي بعد إقرار الموازنة، ويُعامل مُعاملة المنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (المادة 106)، وحرمان ورثة الموظف المُتوفّى من المعاش التقاعدي واحتساب نسبة 40 في المئة فقط (المادة 107).
وسرعان ما خرجت دعوات الثانويين إلى تنفيذ الإضراب المفتوح فوراً لسحب المواد الثلاث قبل رفع المشروع إلى مجلس الوزراء. إلّا أنّ البيان المتأخر لرابطة الأساتذة لم يكُن على قدر الانتظار، ووُصف بـ«الهزيل» لكونه تدرج من الإضراب التحذيري ليوم واحد (أمس)، والتصويت على الإضراب ليومي 2 و3 شباط المقبلين لسحب المواد من مشروع القانون وقبل إحالتها إلى المجلس النيابي، وصولاً إلى إعلان الإضراب المفتوح إذا أحال مجلس الوزراء المواد إلى المجلس النيابي.
واعتبر البعض أن البيان يندرج ضمن خطة «القتل المنهجي للأساتذة» عبر تحويلهم جميعاً إلى متعاقدين يخسرون مكتسبات عمرها 40 عاماً، مع الخشية من إعلان الاستسلام الكامل أمام السلطة وتسليم رقاب الأساتذة لممثلي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكان لافتاً أن يعقد أساتذة جمعيات عمومية ويصوتوا على الإضراب المفتوح خلافاً لتوصية الرابطة ويعلنوا عدم عودتهم إلى «التعليم عن بعد» قبل سحب المواد. وذهب بعضهم إلى القول إن «الهدف من وراء المواد المندسة في المشروع، إلهاؤنا عن القضية الأساس وهي تحسين الرواتب التي فقدت قيمتها الشرائية بنسبة 80 في المئة». وكانت دعوة إلى «المواجهة الشاملة ومنع التدهور العام والتوقف عن منطق التهليل لحفنة من الزيادة المالية المفخخة بالضرائب والبنود التي تتظهر يوماً بعد آخر».
التيار النقابي المستقل وصف المواد بـ«المشبوهة»، داعياً المتضررين إلى عقد اجتماعات عن بعد لإقرار الإضراب المفتوح رفضاً للبنود التي «تقضي على ما تبقى من دولة الرعاية الاجتماعية والحقوق المكتسبة»، لافتاً إلى «أنها إصلاحات طلبها البنك الدولي واجتماعات سيدرز وباريس 1 و2 من جيوب الفقراء ومتوسّطي الدخل، وكأن الفقراء ومن خدموا الدولة هم المسؤولون». كما رفض «لقاء النقابيين الثانويين» المشروع الذي «يحمّل الفقراء مسؤولية سرقة المال العام ونهب البلاد»، داعياً إلى تحركات تبدأ بالإضراب المفتوح ولا تنتهي بإسقاط المشروع واستعادة الحقوق المهدورة.
في المقابل، رأى رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي نزيه جباوي أن الإضراب المفتوح هو «الخرطوشة الأخيرة»، معتبراً أي تحرك خارج خطوات الرابطة «تعطيلاً وليس إضراباً». وأكد أن تحسين الرواتب عنوان أساسي في معركة الرابطة، داعياً الأساتذة إلى «التوحد لأن أي شرذمة ستضرّ بالمطالب». وكانت رابطة أساتذة التعليم المهني أعلنت الإضراب الخميس والجمعة في جميع المعاهد التقنية والمدارس الفنية وتوقيف الأعمال الإدارية والتعليم عن بعد.
موظفو الإدارة العامة: لا عودة إلى العمل
«كل التهويلات بالتعاقد الوظيفي وإنهاء القطاع العام التي كان الموظفون يسمعونها تكرّست في نصوص»، بحسب النقابي الموظف في وزارة المال وليد الشعار. وقال إن «هناك رأياً دستورياً يؤكد أن إقرار حكومة تصريف الأعمال للموازنة لا يجب أن يتضمن بنوداً غير الإيرادات والنفقات، وبالتالي فإن البنود المطروحة تمثل مخالفة دستورية، فضلاً عن أنها تغير في شروط الوظيفة العامة».
وسأل: «إذا كان لا بد من خطة تقشفية لخفض العجز، لماذا تسري على الفئة الثالثة وما دون، ولا تطال الفئتين الأولى والثانية؟»، مؤكداً أن المشروع «يخنق الموظفين لجهة وقف المعاشات التقاعدية خلال السنوات الثلاث المقبلة»، معلناً أن «لا عودة إلى الإدارات العامة بعد إنهاء الإقفال العام».
كما دعا «تجمع الموظفين المستقلين في الإدارة العامة» إلى الإضراب المفتوح حتى سحب المواد.
ولأن للجامعة اللبنانية «حصة» في المشروع لجهة المس بحقوق المتقاعدين وبالتقديمات الصحية والاجتماعية، قررت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين الإضراب التحذيري ابتداء من الأول من شباط ولمدة أسبوع لسحب المشروع من التداول أو استرجاعه وإعادة النظر فيه.
المتقاعدون في التعليم الثانوي والأساسي رفضوا عبر روابطهم «القضاء على المكتسبات التي جرى تحصيلها خلال خمسة عقود وعدم السماح لمن سيدخل ملاك وزارة التربية مستقبلاً، بالاستفادة منها، وبالتالي القضاء على التعليم الرسمي والإدارة العامة». وكانت دعوة للتحرك في الشارع لإسقاط المواد.
تعاونية الموظفين: لم يطلبوا رأينا
أوضح المدير العام لتعاونية موظفي الدولة، يحيى خميس، أن إدراج المواد التي تغير درجة الاستشفاء وتمسّ بنظام التقاعد في مشروع الموازنة ليس مبنياً على أرقام وإحصاءات ومعطيات موضوعية. وأشار إلى أن المعنيين لم يستشيروا تعاونية الموظفين كجهة معنية بطبابة الموظفين، وما إذا كان خفض درجة الاستشفاء يوفر فعلاً على خزينة الدولة بما يستحق كل هذا العناء، معلناً أنه سيعدّ دراسة في هذا المجال. ورأى أن هناك التفافاً على مكتسبات الموظفين عمرها سنوات بدلاً من تحسين الإنتاجية ووقف الهدر والسرقات، معرباً عن اعتقاده أن الموظفين لن يكونوا الحلقة الأضعف وسيدافعون بقوة عن حقوقهم.