كتب عمار نعمة في “اللواء”:
كَثُرت في المرحلة الأخيرة اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع وهي تتالت منذ استفحال وباء «كورونا» في البلاد، وقد اتخذ قرارات هامة أخيرا صدّقت على توصيات اللجنة الوزارية المعنية بالوباء، وجاء ذلك في ظل الفراغ الحكومي وتعذر اجتماع حكومة تصريف الأعمال مع أن الوضع الضاغط يتيح لها الاجتماع وسط الأزمات الحالية نظرا لخطورتها، وسط تعثر مؤسف في عملية تشكيل حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري.
وما لوحظ مؤخراً أن الاجتماعات المتكررة للمجلس تستدعي بعض الاعتراضات السياسية الدستورية التي تتمحور حول اعتبار أنه تجاوز صلاحياته، ومنها مثلاً قيامه سابقاً بوضع تكليفات لبعض وزراء الحكومة، وصولا الى قول البعض إنه وضع يده على صلاحيات منوطة بالسلطة التنفيذية، تحديدا الحكومة وسط خشية بعض الشرائح من اعتماد بعض «الأعراف» الجديدة في البلد.
هي ليست المرة الاولى التي تتوجه فيها السهام نحو المجلس، فقد تعرض لانتقادات الصيف الماضي بدعوى حول تعويم حكومة الرئيس حسان دياب لمحاصرة دعوات إسقاطها. كان ذلك قبل كارثة انفجار 4 آب، ومن بعدها استقالت الحكومة لتصبح مُصرفة للأعمال، وفي هذه الاثناء تابع المجلس اجتماعاته نظرا لدقة الوضع الصحي في ظل التخبط في مواجهة «كورونا» ولم يكن في الامكان، في ظل رفض دياب لدعوة حكومته الى الاجتماع، ان لا يجتمع المجلس فالطبيعة ترفض الفراغ، ومن الضروري فرض التعبئة العامة في البلاد.
على أن تكرار اجتماعات المجلس طرح أسئلة حول مدى قانونية وصلاحيات هذا الأمر ومدى قدرته على ممارسة سلطة تنفيذية على الأرض تتجاوز سلطة الحكومة القائمة، علما ان رئيس الجمهورية ميشال عون ترأس اجتماعاته وهو الذي دعا إليها والتي حضرها رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب نائبا لعون في المجلس.
والحال أن هذا المجلس هو مؤسسة إدارية وولادته وصلاحياته تستندان إلى الفصل الثاني للتنظيم العام للدفاع الوطني من قانون الدفاع الوطني رقم 102 الصادر في 16 أيلول من العام 1983، أي حتى قبل التوصل الى دستور الطائف. ويتمتع وزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية والاقتصاد بعضوية فيه ومن يرى رئيس الجمهورية ان يشارك فيه أيضا، إضافة الى ان بعض العسكريين في المجلس يتولون صلاحيات ذات طابع إداري.
وللمجلس صلاحيات كبيرة تُعنى أساساً بوضع الإجراءات اللازمة بمواضيع الدفاع الوطني والسياسة الدفاعية والعسكرية وفي إمكانه فرض التعبئة في البلاد، وهي تعبئة لا تقتصر فقط على الشأن الآنف الذكر بل على الصعد التربوية والاقتصادية وغيرها، والأهم اليوم هو الشأن الصحي حيث لا تجد مقررات مواجهة «كورونا» طريقها الى التنفيذ من دون ختم توقيع المجلس الذي يتخذ القرارات التي تتعلق بسلامة المجتمع وأمنه على هذا الصعيد. لكن بما أن القوى المسلحة هي خاضعة دستوريا لسلطة مجلس الوزراء، فإن المجلس الأعلى هو أداة تنفيذية للمقررات التي يتخذها مجلس الوزراء.
قليموس لمراقبة المُقررات
في هذه الأثناء، يدعو الخبير القانوني ميشال قليموس في دردشة مع «اللواء»، «من حيث المبدأ»، الى العودة الى صلاحيات المجلس المنصوص عليها في القانون فقط، والتي تحدد ما هي مهمته والمواضيع التي له الحق في التطرق اليها وما مدى الدور التنفيذي المحدد له، إضافة الى مدى ارتباطه بالسلطات الدستورية الحكومية، ولذلك فمن المفترض أن يمارس دوره في اطار الصلاحيات التي اعطيت له وفقا القانون فلا تفسيرات واجتهادات في هذا الموضوع.
لكن هل يمكن للمجلس الحلول مكان السلطة التنفيذية، وماذا عن مبدأ فصل السلطات المنصوص عنه في الدستور؟
يؤكد قليموس ان المجلس الاعلى للدفاع ليس جهة تتفوق على الحكومة، أي أن سلطته ليست أعلى من سلطتها وهو ليس بديلا عن الحكومة التي من المفترض ان تكلفه بمهامه. وهو يشير الى أن دعوة رئيس الجمهورية المتكررة له تأتي عندما تقضي ذلك «ضرورة الأمن الوطني الذي لا يشمل فقط القضايا العسكرية بل يمتد كذلك الى القضايا التي تُعنى بأمن المجتمع وأمن الحدود وسلطة الدولة والاقتصاد لذلك نرى مثلاً وزير الاقتصاد متواجدا فيه».
وفي عودة الى مسألة الصلاحيات، يدعو قليموس أولا مراقبة القرارات التي يتخذها هذا المجلس، ثم مدى قوتها التنفيذية ثانيا، ومدى ملاءمة تلك القرارات مع الواقع الذي يمارسه ثالثا. إضافة الى مراقبة طبيعة المناقشات التي تحصل فيه، فالمجلس الاعلى للدفاع لا يستطيع تجاوز صلاحياته ولذلك فإن مقرراته تبقى طي الكتمان ويكتفي الناطق بإسمه كثيرا بالقول إنه اتخذ القرارات اللازمة.
ولذلك يجب العودة الى النص القانوني لانشائه واجراء مقابلة مع المقررات التي يتخذها والدور الذي يؤديه، حسب قليموس.