جاء في “المركزية”:
لا الأزمة المعيشية الخانقة ولا الكارثة الصحية المتدحرجة ولا الانفجار الامني – الاجتماعي، الذي بانت تباشيره المخيفة في طرابلس منذ ايام، نفعت في إخراج المنظومة الحاكمة من حلبة صراعاتها ومناكفاتها الفئوية الشخصية الضيقة، ومن حساباتها الاقليمية الاستراتيجية الاوسع. فكأن شيئا لم يكن، أهلُ الحكم – الذين يُفترض فيهم الانكباب على تأليف حكومة تضع حدا للانهيار السريع لكل شيء في لبنان- منشغلون في التسّاجل عبر البيانات والمصادر، فوق جثة الدولة التي احترقت مع النيران التي اشتعلت في “الفيحاء”، وفوق جوع اللبنانيين وأوجاعهم ومرضهم .. على اي حال، حكّامٌ لم يحرّك ضمائرَهم انفجارٌ بحجم زلزال 4 آب، بضحاياه واصاباته والدمار المهول الذي خلّفه في العاصمة، هل ستتمكّن نيرانٌ إلتهمت بلديةَ العاصمة الثانية، من التغيير في سلوكهم “الاجرامي” والذي قرّع له مجددا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون امس؟ قطعا لا، لكن يبقى الرهان على الا تتلاشى عزيمة سيّد الاليزيه الذي أعلن مجددا امس نيّته زيارة بيروت وان مبادرة بلاده للحل في لبنان، لا تزال مطروحة.
انتظار فرنسا: فيما شهدت طرابلس امس ليلة هادئة نسبيا، مستفيدة من مفاعيل اجتماع مجلس الامن المركزي الذي يبدو أنعش التنسيقَ بين الاجهزة الامنية والعسكرية وعزّزه على الارض، استكانت، نوعا ما، جبهة بعبدا – بيت الوسط، بعد جولة حامية من المواجهات “البيانيّة”، التي أكدت المؤكد لناحية ان التأليف معطّل، وان لا حكومة في المدى المنظور. على اي حال، انتقالُ الاشتباك من الجانبين، الى فريقيهما السياسيين، البرتقالي والازرق اليوم، أتى ليعزّز حقيقة ان التأليف بعيد المنال… غير ان مصادر سياسية مطّلعة تقول لـ”المركزية” ان الآمال معقودة اليوم على اعادة تحريك باريس محرّكاتها محليا واقليميا، لتسهيل التشكيل. فبعد ان رفع السجالُ المستعر المتاريسَ عاليةً بين القوى السياسية، قاطعةً الطريق امام الوسطاء المحليين ومنهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، باتت حظوظ الاتفاق الداخلي شبه معدومة، واعادةُ وصل ما انقطع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل من جهة، والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة ثانية، باتت تحتاج “قوّة خارجية” جبّارة. فهل يؤمّنها ماكرون؟ ام سيفشل في التوفيق بينها، وفي تغيير القرار الرئاسي – البرتقالي، “المُبرم”، بإزاحة الحريري، وسط صمتٍ مريب لحزب الله، إن دل على شيء، فعلى ان الجمهورية الاسلامية لا تزال ترى ان ورقة الحكومة اللبنانية، لم تدق ساعة التخلّي عنها، بعد؟
“تربيح الجميلة”: في انتظار اي بوادر توحي بعودة الفرنسيين المُفترضة الى الساحة المحلية، غداة مواقف سيّد الاليزيه، التأليف لا يزال عالقا في المستنقع نفسه، أسيرَ حرب التيارين البرتقالي والازرق، وجديدُ فصولها، تصويبُ التيار على الحريري اليوم. فقد اعتبرت هيئته السياسية بعد اجتماعها برئاسة النائب جبران باسيل ان “مأساة طرابلس تستدعي من رئيس الحكومة المكلف، الاسراع في تشكيل حكومة بالإتفاق والشراكة الكاملة مع رئيس الجمهورية، تحظى بدعم سياسي ووطني واسع، بناءً على برنامج اصلاحي يستجيب لتطلعات اللبنانيين ويقنع الدول المعنية بالمساعدة، وفي مقدمتها فرنسا”، مضيفا “الإعتبار الوطني يحتّم ان يتوجه رئيس الحكومة المكلف فوراً الى القصر الجمهوري، ويقلع عن التلهي برمي الآخرين بما هو غارق فيه من مآزق وتشابكات سياسية محلية وإقليمية وإنتظارات دولية، متلطّياً في خبايا جبهات واهمة”. واستغربت الهيئة السياسية منطق “تربيح الجميلة” بالحرص على حقوق المسيحيين من جانب الذين رفضوا الإعتراف بشرعية الممثل الأكبر للمسيحيين، فعرقلوا إنتخابه سنتين ونصف السنة، الى أن فرضت حاجتهم لرئاسة الحكومة أن يوافقوا على ترشيحه. وهل من داعٍ لتذكير من يدّعي الحرص على المسيحيين أنه مع حلفائه أعاق صدور قانون عادل للإنتخابات النيابية حتى العام 2018، وغيّب الشراكة في الحكومات منذ مطلع التسعينات لغاية العام 2008، وسعى دائمًا الى خفض مستوى شراكتهم في مجلس الوزراء كما حصل في حكومة ما بعد إنتخابات 2005 ؟ إن الصدق في إحترام حقوق المسيحيين وكل المكونات يبدأ بالإقلاع عن منطق “تربيح الجميلة” والتسليم بأن هذه حقوق وليست إستعطاء وأن حكم لبنان لا يستقيم دون شراكة فعلية ومتوازنة”.
العهد القوي في التعطيل: الرد لم يتأخر. فقد رأت هيئة شؤون الاعلام في “تيار المستقبل” ان سياسة ” تربيح الجميلة ” التي يعيِّر فيها تيار المستقبل هي سياسة يعتمدها التيار الوطني الحر وموجودة في ادبياته وقد لمسها اللبنانيون في مناسبات عديدة لا داعي لتذكيرهم بها. ان اتهام تيار المستقبل في “اعتماد منطق تربيح الجميلة بالحرص على حقوق المسيحيين” هو اتهام مردود للتيار الوطني الحر بعدما تم اختصار حقوق المسيحيين بحقوق بعض الازلام ، وحجبها عن باقي المسيحيين وبينها احزاب وقيادات وشخصيات لها حضورها التاريخي ، ولا تلتقي مع التيار على ذرة واحدة من التوافق . واضافت “اما عن دعوة الرئيس المكلف التوجه فورا الى القصر الجمهوري فكان الاجدى للتيار الوطني الحر سؤال رئيسه السابق رئيس الجمهورية ، لماذا لا يوقع على التشكيلة الحكومية الموجودة على مكتبه منذ أكثر من خمسين يوما بدلا من احتجازها ، وهل من مصلحة المسيحيين ان يصبح رئيس الجمهورية اللبنانية ، طرفاً يمارس خلف المعايير السياسية والحكومية لجبران باسيل ، فيتخلى عن التزامه بحكومة من ١٨ ويعود الى نغمة العشرين .اننا في زمن العهد القوي جداً في التعطيل والعرقلة والتسلق فوق حقوق الطائفة للانقلاب على اتفاق الطائف”.
تصعيد درزي: وفي ما يؤشر الى قرار اتُخذ من قبل 8 آذار لتطويق الحريري من النواحي كلّها وتكبيلِ يديه، علّه يستسلم، صعّد حليف آخر لحزب الله هو رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان، اليوم، نبرتَه في وجه الرئيس المكلف. فقد ردّ المكتب الإعلامي لأرسلان في بيان، على الكلام الصادر عن المكتب الإعلامي للرئيس المكلف والذي جاء فيه: لن تكون هناك حكومة إلا من 18 وزيراً… ونقطة على السطر، فقال: إنّ مقاربة موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة هي مقاربة ميثاقية ودستورية ووطنية بامتياز ولا علاقة لها بالخلافات السياسية، لذا من المفيد تذكير المعنيين أن التمثيل الدرزي الصحيح في الحكومة هو حقٌّ مكتسب وليس منّة من أحد، والسعي إلى تقليص هذا التمثيل الى وزيرٍ واحدٍ هو تطاول على حقوق الدروز، ولا يملك أحد هذا التوكيل لا رئيس مكلّف ولا أيّ فريق سياسي آخر، ولن نسمح بهذا التطاول، ونقطة عالسطر”… بدورها، استغربت أمانة الاعلام في حزب “التوحيد العربي” في بيان، الكلام الصادر عن المكتب الإعلامي للحريري وإصراره على تشكيل حكومة من 18 وزيرا، وقال البيان “مساعي الحريري لتقليص هذا التمثيل الى وزير واحد هو افتئات من حقوق الدروز، وهو أمر لن يمر مرور الكرام، وقد أعذر من أنذر”.
لخدمة جبران: لم يسكت المستقبل عن هذه المواقف. فغرد نائب رئيسه مصطفى علوش عبر تويتر: رحم الله المير مجيد فقد كان حكيما ولم يكن لاحد ان يضعه في فريق الاحتياط. من يتحدث اليوم عن حقوق الدروز يريد فقط ضرب مرجعيتهم الحقيقية لخدمة جبران الذي ياخذه متراسا للتعطيل. رئيس الحكومة المكلف لن يتخلى عن واجبه الدستوري بالتاليف الذي يضمن حقوق جميع الطوائف فكفى مناورات فتنوية .
تقدير جديد: في مقابل الكباش السياسي الذي انعكس توترات على الارض، اجتماعيةً – أمنيةً، شكّلت طرابلس مسرحا لها، ورغم محاولات إقحامه في البازار والنزاعات الدائرة بين اركان المنظومة، بقي الجيش اللبناني محط تقدير دولي. فبعد ان زار خلال الشهرين الأخيرين من العام المنصرم، رئيسُ هيئة أركان الجيوش الفرنسية الجنرال فرانسوا لوكوانتر، لبنان مرتين، حاملا في المرة الاولى إلى قائد الجيش العماد جوزف عون وسام الشرف، أكد لوكوانتر في حديث لمجلة “الجيش” نشر اليوم، أنّ زيارته تنطوي على عدة رسائل للبنانيين وللجيش اللبناني ولقوات بلاده ضمن اليونيفيل. القائد الفرنسي الذي أعرب عن إعجابه بالعمل الذي ينجزه الجيش اللبناني كل يوم، متوقفًا عند تدخله الفعال في جميع أوجه إدارة الأزمة الناجمة عن انفجار المرفأ، اعتبر تكريم العماد عون تكريمًا للمؤسسة العسكرية بأكملها، مؤكدًا أنّ فرنسا ستواصل دعمها للجيش اللبناني.
ازاحة الحمل: ماليا، عاود الدولار ارتفاعه ملامسا عتبة الـ9000 ليرة، وهو بطبيعة الحال لن ينخفض قريبا في ظل موازنة 2021 وما تضمّنته من ارقام غير واقعية. وليس بعيدا، وبينما اثار الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اكثر من علامة استفهام حول قانوينته ومدى ارتباطه باعلان الاخير نيته المثول امام القضاء السويسري، اعتبر صاحب شركة استيراد الدولار ميشال مكتف الذي ادّعت عليه مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون ايضا، أن بعض الجهات تريد إزاحة الحمل عن ظهرها وإلقاء اللوم على بعض الاشخاص في ملفي الدولار والدعم.
عرقلة التدقيق: في الموازاة، وفي حين يتبادل اركان المنظومة التّهم بالتهرّب من التدقيق الجنائي والقلق من نتائجه، اشار رئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان الى ان “تمت عرقلة التدقيق الجنائي وما زالت بطرق وأساليب متعددة، أهمها المماطلة و تيئيس شركات التدقيق، لأن أكثرية الطبقة المتحكمة من عهد الوصاية السورية وحتى تاريخه، تخشى انفضاح أمرها ومحاسبتها. أما أين نحن اليوم؟ فقد أبدت شركة Alvarez استعدادها الرجوع عن قرارها بانهاء العقد مع وزارة المالية بخصوص التدقيق الجنائي مع مصرف لبنان، ويتم اليوم التفاوض معها لتوقيع عقد جديد سواء لاستمرار مهمتها في ما يتعلق بمصرف لبنان أو الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة كافة”. وأشار الى أن “Alvarez ربطت موقفها بإجابة وزارة المالية عن أسئلة تساعدها في اتخاذ قرارها النهائي، إن لناحية توقيع عقد التدقيق الجنائي المتعلق بمصرف لبنان أو لجهة توسيع المهمة لتشمل حسابات الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة”.