كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
آثرت حكومة تصريف الأعمال الصمت بعد أحداث طرابلس، والأمر نفسه ينطبق على رئيس الجمهورية ميشال عون الذي دعا إلى ملاحقة المندسين الذين تسللوا في صفوف المتظاهرين السلميين.
لكن تريث عون بامتناعه عن دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد بطلب من الرئيس دياب، لم يحجب الأنظار عن الموقف الذي صدر عن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بسؤاله قيادة الجيش عن الأسباب التي حالت دون تدخل الجيش لمنع إحراق دار البلدية والسراي والمنشآت العامة والخاصة، وبالتالي وقوفه متفرجاً، ومن سيحميها إذا تخلف الجيش عن حمايتها؟ ولقي تأييداً من قبل الرئيس نجيب ميقاتي وإن كان على طريقته، كاشفاً بأنه اتصل بقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي تعهد بتعزيز وتدعيم حضور الوحدات العسكرية في طرابلس لمؤازرة قوى الأمن الداخلي.
وبصرف النظر عن المفاعيل السياسية التي يمكن أن تترتب على موقف الحريري هذا، فإنه بموقفه يفتح الباب أمام السؤال حول ما قد يستجد على علاقته بالعماد عون الذي تربطه به علاقة وطيدة لم يسبق أن تعرضت إلى أي اهتزاز.
وتقف طرابلس الآن أمام مشهد سياسي بات يستدعي من الدولة الاستجابة لمطالب المتظاهرين بحدودها الدنيا، بدلاً من تلهي البعض فيها بتوزيع التهم، وصولاً إلى إقحامها في عملية إعاقة تشكيل الحكومة؛ خصوصاً أن ما حصل في طرابلس من تجاوزات واعتداءات قوبل أمس بانتفاضة طرابلسية من نوع آخر، لا تستهدف أصحاب الحقوق من المتظاهرين، بمقدار ما تشكل بداية صرخة في وجه العابثين بأمنها واستقرارها من قبل المجموعات الطارئة التي لديها أجندة سياسية غير تلك التي كانت وراء تحرك المتظاهرين تحت سقف تأمين لقمة العيش.
ناهيك عن أن من يحاول إلصاق التطرف والإرهاب بطرابلس، سيكتشف كما اكتشف سابقاً فور تطبيق الخطة الأمنية التي أنهت دورات العنف المتبادلة بين باب التبانة وجبل محسن، أن «تهمته» ليست في محلها، وبالتالي هناك استحالة في تحويلها إلى «قندهار» الشرق الأوسط أسوة بالأخرى في أفغانستان.
كما أن هناك ضرورة لإعادة استنهاض المجتمع المدني في طرابلس الذي وقف إلى جانب القوى الأمنية لتطهيرها من التطرف، بمنع «داعش» من إنشاء خلايا نائمة فيها من جهة، ووقوفه في وجه من كان يريد تشويه صورتها المدنية، وهذا يفرض على الدولة أن تستفيق من غفوتها المديدة، وتلتفت إلى صرخات أهلها؛ لأن الأمن وحده لا يوفر الحلول ويزيد من الاحتقان، وأن الحل في أن تتصالح الدولة ولو متأخرة مع المعوزين في المدينة، والأمر نفسه ينسحب على مرجعياتها التي يتوجب عليها الاستجابة فعلاً لا قولاً لصرخاتهم، بموازاة إدراج مطالبهم كبند أول على جدول اهتمامات الحريري، في حال تيسر له تشكيل الحكومة بمبادرة عون إلى سحب شروطه المستعصية على المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان.
ويبقى السؤال: هل تبادر القيادات الطرابلسية إلى تشكيل هيئة طوارئ تتولى توفير الاحتياجات الضرورية لذوي الدخل المحدود وغالبيتهم من المحتاجين بعد أن فقدوا فرص عملهم، ما يتيح لهم البقاء على قيد الحياة؛ لأنهم لا يحيون فقط بحفظ الأمن بينما الرغيف مفقود؟