مؤلم ما حصل في طرابلس. لا أتحدث هنا عن الشغب وإحراق مبنى البلدية ولا عن الهجوم على السراي، وكلها حوادث مؤسفة. المؤلم أولاً في ما حصل أن عدداً من المسؤولين والأطراف سارعوا إلى إعلان نيتهم الاهتمام بالحجر… لا البشر!
جميعهم سارعوا إلى تقديم المساعدات لإعادة إصلاح مبنى البلدية، ولم نسمع بأحد التفت إلى الناس، إلى أبناء طرابلس المنكوبين في لقمة عيشهم وبيوتهم وتعليمهم وفرص عملهم… فالانسان ليس ضمن اهتمامات المسؤولين في لبنان ولا الأطراف المعنية على الإطلاق. جميعهم سارعوا لمحاولة إصلاح النتيجة ولم يلتفت أحد إلى الأسباب العميقة لما جرى ويجري منذ أعوام في طرابلس… فبئس من يهتم للحجر ولا يلتفت إلى البشر.
في طرابلس كما في كل لبنان عنوان كل اشتباك هو تقاذف الاتهامات، في انتظار جولة جديدة من الاشتباكات والتراشق.
ففي بيروت تراشق واتهامات يضيّعان التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت. وتراشق واتهامات وتقاذف للمسؤوليات تعطل أي إمكانية لتشكيل حكومة جديدة من دون أن يشعر أي من المسؤولين بالخجل، والجميع ينتظر ما سيحصل بين طهران وواشنطن في حين أن بيروت لا تعنيهم!
في وطني لا يلعب المسؤولون على حافة الهاوية، بل يمعنون في العبث بمصير اللبنانيين ونحن في قعر الهاوية السحيق. يراهنون فقط على تسوية ما تحفظ لهم مواقعهم حتى لا تطيح جميعهم بهم النقمة الشعبية العارمة.
ولم يكن ينقصنا سوى أن يتضح أن كل الرهان على المبادرة الفرنسية لم يكن يوماً في محله. فحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بات يتصرّف “على الطريقة اللبنانية”، يهين المسؤولين اللبنانيين ومن ثم يتواصل معهم ليبحث عن تسوية ترضيهم إلى درجة أنه تحدث عن تأليف أي حكومة ولو من دون المواصفات المطلوبة!ماذا يريد ماكرون؟ يريد “إنجازات” وهمية على طريقة إنجازات المسؤولين في لبنان؟ يريد تشكيل أي حكومة ليدّعي أنه حقّق “إنجازاً” ما في حين أنه يعترف بأن “النظام اللبناني في مأزق بسبب الحلف الشيطاني بين الفساد والترهيب”… وهو يسعى لعقد أي صفقة أو تسوية مع الفاسدين إياهم ومع الميليشيات التي تقوم بترهيب اللبنانيين؟ بربّكم في ظل هذه المعادلات كيف يمكن أن تشكل المبادرة الفرنسية خارطة إنقاذ وحلّ طالما أنها تعتمد على التركيبة نفسها التي أوصلت لبنان إلى الهلاك وتخضع لشروطها؟ كيف يعتبر أن “القادة اللبنانيين لا يستحقون بلدهم” ومن ثم يسعى لعقد صفقات معهم؟
يبدو أن لبنان بات أسيراً لقدره المظلم، ولمعادلات في المنطقة لا يبدو أن حلولها قريبة. ومن العبث البحث عن حلول داخلية في ظل منظومة السلاح والفساد التي تحكم وتربط مصيرها بكل ما يجري في المنطقة ويدفع ثمنها بكل أسف كل الشعب اللبناني!