IMLebanon

لبنان مصابٌ بـ “دُوار” إقليمي وأزماتُه تَمْضي بالدوران … في مكانها

 

تبدو بيروت هذه الأيام مصابةً بـ «دُوار» متجدّد وهي ترصد مساعي تحريك المياه الراكدة في الأزمة الحكومية العالقة بين «مطرقة» الملفات الاقليمية التي بات لبنان جزءاً لا يتجزأ من مساراتها الانفراجية أو الانفجارية، وبين سندان الصراعات الداخلية بـ «جذورها» المرتبطة بلعبة السلطة التي تتشابك فيها الحسابات السياسية مع الحساسيات الطائفية التي غالباً ما يتم زجّها في سياق «المعارك الصغرى بين الحروب الكبرى».

وجاء «جرسُ إيقاظِ» المبادرةِ الفرنسية ذات الصلة بالواقع اللبناني الذي شكّله الكلامُ الأخيرُ للرئيس ايمانويل ماكرون ليُطْلِق موجةً جديدةً من «عصْفِ الأسئلة» والسيناريوات حيال مآل هذه المحاولة التي باشرتْها باريس متكئةً على تغيير الإدارة الأميركية وإمكان حياكة تَقاطُعات اقليمية – دولية تسمح لباريس بالنجاح لبنانياً حيث فشلتْ حتى الساعة، ومنذ 6 أشهر، بفعل المناخات المحمومة في المنطقة والتي سابقت مغادرة دونالد ترمب البيت الأبيض.

 

ومَضَتْ العاصمة اللبنانية أمس في لعبة «تفكيك عباراتٍ» بدأت لمواقف ماكرون وخصوصاً إشارته إلى التصميم على استيلاد حكومة جديدة «ولو غير مكتملة المواصفات»، وسط علامات استفهام إذا كان يمهّد لتراجعاتٍ جديدة في مبادرته التي قامت في آخِر «طبعاتها» على تشكيلةٍ من اختصاصيين غير حزبيين برئاسة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، وهل يمكن أن يذهب مثلاً إلى التسليم بحكومةٍ من اختصاصيين مطعّمة بالسياسيين سواء مباشرة أو على قاعدة محاصصة مقنّعة، وكيف سيسحب «صاعق» الثلث المعطّل الذي يبقى عقبة داخلية أساسية تختبىء وراء عنوان حق رئيس الجمهورية (ميشال عون) في تسمية الوزراء المسيحيين؟ وإلى أي مدى سيكون من السهل تسويق أي خيار فرنسي تَساهُلي خارجياً بمعزل عن اتجاهات الريح في الملفات الرئيسية بالمنطقة وفي مقدّمها النووي الإيراني ومجمل أدوار طهران في ساحاتها وصواريخها البالستية؟

وتمدّدت لعبة «فك الشيفرة» إلى الموقف الذي أطلقه رئيس البرلمان نبيه بري وحدّد فيه، غامزاً من قناة عون وفريقه، الثلث المعطّل بوصفه «أصل المشكلة» حكومياً، والذي عطّل مسعى قام به عبر اقتراح بأن يعمد كل الأفرقاء إلى تسمية وزراء على قاعدة «لا معك ولا ضدّك» على غرار ما فعلَ، وهو الموقف الذي سرعان ما تحوّل مدار اهتمام من زاويتين:

* الأولى تلقُّفه من فريق عون لتعزيز موقفه من أحقية رئيس الجمهورية في «المعاملة بالمثل» على قاعدة وحدة المعايير في التأليف لجهة تسميته الوزراء المسيحيين انطلاقاً مما أقرّ به بري لجهة أنه سمّى وزراءه، وخصوصاً في ظلّ غياب الأطراف المسيحيين الوازنين عن الحكومة، واعتبار أن الثلث المعطّل ليس هدفاً في ذاته ولكنه قد يكون نتيجة «رقمية» تلقائية لحقّ عون بالتسمية وبالدعوة إلى تَوازُن على مستوى الشراكة.

ولم يكن عابراً تَنَبُّه الرئيس الحريري، الذي يتّهم عون أيضاً بأنه يريد حكومة حزبيين، إلى «توريطه» عبر كلام بري عن التسمية، وهو ما عبّر عنه ما نقله موقع «مستقبل ويب» التابع لتياره عن «مصادر نيابية متابعة» أن الرئيس المكلّف هو الذي اقترح على كتلة رئيس البرلمان أسماء من غير الحزبيين للمشاركة بالحكومة، وهي اختارت بينهم.

* والزاوية الثانية أن موقف بري جاء على وقع الكشف عن اتصال بين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل شكّل الثلث المعطّل «ثالثه»، الأمر الذي دَفَعَ بعض الأوساط للسؤال إذا كان الأمر في سياق «توسيع الكوع» من الثنائي الشيعي في الطريق لـ «فكّ أسْر» الملف الحكومي وبدء ضغطٍ على فريق عون لتحقيق هذا الهدف، أم أنه في إطار «نفْض يدٍ» جديد من المسؤولية عن استمرار تعطيل الحكومة وتوجيه رسائل للخارج قد تستفيد منها طهران بملاقاة محاولات إرساء أرضيات «الأخذ والردّ» مع الولايات المتحدة.

ولفت في سياق غير بعيد ما نقلتْه صحيفة «نداء الوطن» عن مصادر في الرئاسة الفرنسية رداً على ما إذا كان لدى باريس اقتناع بأنّ هناك تغييراً بالموقف الإيراني كما يتردّد وأنّ طهران أصبحت عازمة عبر «حزب الله» على الضغط على باسيل لعدم العرقلة، من أن «المهمّ النتيجة وليس الكلام على أن ايران تتمنّى تشكيل حكومة، فاذا حصل تغيير بموقف باسيل عندها يمكن القول إن»حزب الله«وايران يريدان فعلاً تشكيل حكومة».

وإذ يعكس مجمل هذا الجو أن البلاد أصبحتْ أسيرةَ «رياحٍ متعاكسة» في قراءة ما يجري في المنطقة التي تتجاذبها في الوقت نفسه مناخاتٌ لا تستبعد انفراجاتٍ كبيرة في موازاة مخاوف من تطورات مباغتة «حربية» تفرض موازين قوى جديدة قبل حلول ساعة التفاوض حول الملفات الساخنة وخصوصاً النووي الإيراني ومتفرعاته، ترى أوساط واسعة الإطلاع أن خلاصةَ ما يحصل في لبنان أن أزمة الحكومة ومحاولات إنضاج حل لها وُضعت على «نار خفيفة» في إطار تحضير المسرح السياسي لأي اختراقات في المشهد الاقليمي قد تحصل قريباً أو بعد حين، وتتعدّد العناصر الكفيلة بجعلها ذات مفاعيل إيجابية محلياً وبينها عودة الاحتضان الخليجي للواقع اللبناني، وهو الأمر الذي له دفتر شروط يتشابك مع عنوان نفوذ إيران وأدوارها المزعزعة لاستقرار المنطقة.