كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يشكّل عدد الوزراء في الحكومة قيد التشكيل سبباً أساسياً من الأسباب التي تعيق ولادتها. ففي حين يتمسّك رئيس الجمهورية ميشال عون بحكومة من 20 وزيراً، يرفض رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الأمر متمسّكاً بتشكيلة حكومية قوامها 18 وزيراً. يعلّل الأول تمسّكه بالحكومة العشرينية بضرورة أن يشغل كل وزير حقيبة واحدة في الحكومة، وتأمين تمثيل رئيس “الحزب الديمقراطي” طلال أرسلان ضمن الحصة الدرزية، وهو ما يتجنّبه الثاني كما يتجنّب زيادة التمثيل الكاثوليكي كي لا يؤمن لرئيس الجمهورية الثلث المعطل. ولكن السؤال هنا كيف يتحدّد عدد الوزراء في الحكومة؟
يتفرّد لبنان بتأرجح حجم حكومته. تلك الحكومة التي لا ترسو على بر من ناحية العدد، إذ يمكن أن تتألف من ثلاثة وزراء أو اربعة كما كانت حكومة حسين العويني في عهد بشارة الخوري ومن بعده حكومة رشيد كرامي في عهد فؤاد شهاب، وقد يصل عددها الى الثلاثين كما شهدنا في العقود الماضية، إرضاء لكل الأطياف الحزبية.
قبل اتفاق الطائف، كان رئيس الجمهورية الحاكم بأمره هو من يتولى اختيار الوزراء ويحدّد من بينهم رئيساً للحكومة، وكانت تجري تسمية الوزراء من الموارنة والسنّة بالتساوي، ولاحقاً تمّ التوصل الى صيغة المثالثة ضمن المناصفة تماشياً مع حق كلّ القوى بالتمثيل. لكن اتفاق الطائف لم يحمل صيغة ثابتة للحكومة، ولم ينصّ على عدد محدد للوزراء. جلّ ما خرج به هو اتفاق عرفي على الّا يكون عدد الوزراء في الحكومة أدنى من 14، على اعتبار أن السلطة نقلت الى مجلس الوزراء مجتمعاً. واعتمد مبدأ أن تتساوى حصة السنة مع الشيعة والموارنة، فيما يكون تمثيل الكاثوليك والدروز نسبياً وتزيد نسبة الارثوذكس عنهما. ويتحدث النائب السابق اميل رحمة عن “اتفاق عرفي تم خلال الطائف كان عرّابه النائب السابق خاتشيك بابكيان بألّا تشكل حكومة أقل من 14 وزيراً كي لا يستثنى الأرمن من التمثيل”.
ومنعاً لمخالفة الطائف، لم يكن يتم تشكيل حكومة تضمّ أقلّ من 14 وزيراً، ولكن من حكومة إلى أخرى أخذ العدد يزيد، مرة بحجة الوفاق الوطني، ومرات بحجة صحة التمثيل. وتم ابتكار ما يسمى بـ”وزراء الدولة” تكملة للعدد في الحكومة مسايرة للتمثيل السياسي.
حكومة بعد حكومة، وبسبب الخلافات المتعاقبة على تشكيل الحكومة، صار لزاماً أن تترافق زيادة وزير درزي مع وزير كاثوليكي، وزيادة التمثيل الماروني ستقابلها حكماً زيادة في تمثيل الطوائف الأخرى الأساسية. خلال فترة وجودهم في لبنان حاول السوريون إرضاء اكبر عدد من الأحزاب من خلال حكومة مؤلفة من ثلاثين وزيراً، وبدأت بدعة وزراء الدولة. ومنذ الطائف ولغاية اليوم، تعدّ حكومة الرئيس سليم الحص 1998 الأصغر عدداً حيث تألفت من 16 وزيراً، ومن بعده وبفارق زمني طويل شكل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة من 16 وزيراً في أعقاب استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي واغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي كان افتتح عهد حكومة الثلاثين مع وزراء الدولة في أولى الحكومات التي شكلها عام 1992 ثم كرّت سبحة الثلاثين وزيراً وتكرّرت 12 مرة، متحوّلة إلى عرف.
بالأمس ردّ اميل رحمة على النائب نزيه نجم عبر “تويتر” فكتب يقول: “صرختك راح البلد بمحلها، ولكن حكومة من 18 مش مثل حكومة من 20. الأولى تلحق ظلماً وافتئاتاً بالدروز والكاثوليك والثانية تؤمن عدالة التوزيع وترفع الظلم عنهما”. للنائب السابق وجهة نظر تقول: “إن حكومة من 18 وزيراً تؤمن وزيراً إضافياً لكل الطوائف باستثناء الدروز والكاثوليك فتنتفي صفة العدالة، بينما تؤمن حكومة العشرين تمثيلاً عادلاً لأنها بذلك تصبح حكومة تتمثل فيها كل الطوائف، فيصبح للموارنة 4 وزراء و4 للسنة و4 للشيعة وللارثوذكس 3 ويتمثل حينها الدروز بوزيرين والكاثوليك بوزيرين”.
في حكومة العشرين يربح عون، “لكن ربحه يأتي في سياق احترام العدل وعدم ظلم أي طرف، ومن يربح في حكومة 18 هو الرئيس المكلف سعد الحريري لأنه لا يريد زيادة التمثيل الدرزي والكاثوليكي كي لا تزيد حصة عون في الحكومة”. هي إذاً لعبة الكيدية والمناكفة بين السياسيين ولا سيما في سياق النظام اللبناني القائم على التوزيع الطائفي.
بتقدير رحمة يجب ألّا يرفض اي طرف “تشكيلة العشرين، واذا كان الحريري يراها تخدم رئيس الجمهورية اليوم، فهي صيغة قد تعود لمصلحته مستقبلاً لأن حكومة العشرين أكثر عدالة في التوزيع وترفع الظلم اللاحق بالدروز والكاثوليك. وإذا كان سبب الرفض أن عون سيستفيد حكماً من الثلث المعطل، فإن في حكومة 18 ما هو أصعب من الثلث المعطل، فإذا أراد وليد جنبلاط مثلاً سحب وزيره تفقد الحكومة ميثاقيتها وهذا ما يمكن أن يحصل في ما لو انسحب ممثل الكاثوليك”.
الطرح إذاً حمّال أوجه، منها السلبي لناحية الثلث المعطل “ولو ان تحميله لرئيس الجمهورية ليس في محله، كما أن اقتصار التمثيل الدرزي على وزير فقط يجعل الحكومة رهينة بيد رئيس الحكومة. ولذا فحكومة العشرين من شأنها أن تؤمن عدالة التمثيل ولا تجعل مصير الحكومة معلقاً على جهة”.
من خلال التجربة لم يعد حجم الحكومة وعدد الوزراء هما المعيار، فالانتاجية الحكومية لم تكن سابقاً ولا هي حالياً متوقفة على عدد الوزراء، وكم من حكومة رحلت ولم نلمس لبعض وزرائها بصمات في الوزرات التي تولوها، ولنا في الحكومات السابقة وصولاً الى الحالية خير مثال. وها هي حكومة تصريف الاعمال الحالية قوامها من الوزراء لا يزيد على عدد اصابع اليد الواحدة جهدوا في وزاراتهم بينما البقية لزوم ما لا يلزم.
خلف الخلاف على حجم الحكومة والتمثيل معركة صلاحيات وانعدام ثقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وليس جديداً أن لبنان بات خالياً من مايسترو اقليمي ودولي يحدّد لنا حجم حكوماتنا وشكلها ومن يحق له ان يتمثل فيها، وإلى أن يتأمن ذلك يحلو للجميع اللعب في الوقت الضائع.