كتبت ايفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
بعد أكثر من عام على تلاحق الأزمات في لبنان، يمكن القول إنّ دولاب الحظ “برم” الكثير من القطاعات، من الصرّافين الى مستوردي المحروقات والسلع الاستهلاكية والمستوردات الطبية والادوية، ليحط أخيراً عند تجار المفرّق الذين استفادوا من الإقفال القسري للسوبرماركت، ليلعبوا منفردين على الساحة، فهم يتحكّمون بالبيع وفق الصنف والسعر اللذين يناسبهم، لاسيما وانّ خدمة التوصيل مؤمّنة.
مع قرب انتهاء فترة الإقفال التام وقبل عودة الفتح التدريجي للبلد، لعلّ ابرز ما يفرج المواطن، تحرّره من فترة وقع فيها تحت رحمة تجار صغار، وجدوا في هذه الأزمة فرصة لينافسوا أسعار السوبرماركت التي عادة ما تكون اقل، فلجأوا الى التسعير على سجيتهم دون حسيب او رقيب، مستغلّين بدورهم الأزمة الحياتية، لينهشوا من جيب المواطن ويفرضوا في الوقت نفسه النوعية والأسعار على المستهلك.
وقبيل فك حَجر المواطن والعودة الجزئية الى الحياة، لا بدّ من التوقّف عند سلة السلع التي زادت أسعارها بشكل لافت خلال هذه الفترة، وكان آخرها رفع سعر ربطة الخبز للمرة الثانية في اقل من شهر، ليصل الى 2500 ليرة مرتفعاً بذلك 70%، بعدما كانت بالأمس القريب 1500 ليرة. كل هذا ويُعدّ الخبز من المواد المدعومة من مصرف لبنان. فماذا سيحلّ اذاً بسعرها عندما يُرفع الدعم عن الطحين؟ وكيف تستسهل وزارة الاقتصاد التغيير بسعر ربطة الخبز، بينما تتحاشى دول العالم ان ترفع من سعر الخبز، لأنّ هذه الخطوة كفيلة بإشعال ثورة؟
كذلك، يكاد سعر صفيحة البنزين ان يلامس الـ 30 الفاً، وقارورة الغاز كذلك، اما أسعار الخضار والفاكهة فحدث ولا حرج، السلع المدعومة غير متوفرة لكنها تُهرّب الى الخارج من مدعومين، وحليب الأطفال وبعض الادوية مفقودة. فهل من يشرح للمواطن ماذا يحصل؟ هل من رقيب على التجار؟ وهل بدأ ترشيد الدعم؟
في السياق، تقول مصادر في وزارة الاقتصاد لـ”الجمهورية”، انّه في ظل اقفال السوبرماركت، تحول الضغط الى محلات السمانة والدكاكين الصغيرة. وبما انّ مصائب قوم عند قوم فوائد، لجأ البعض منهم الى تحقيق أرباح إضافية ورفع الأسعار، كما استغلوا اقفال السوبرماركات لتسويق منتجات معينة وفرضها على الزبائن. فقد تلقّت وزارة الاقتصاد شكاوى عدة في هذا الخصوص، والغالبية تشكو من تحكّم التجار بالأسعار والأصناف. اذ عندما يطلب المستهلك شراء كيلو لبنة او علبة كلينكس يرسل له صاحب المتجر اغلى نوعية، ربما لم تكن تُباع قبل الاقفال، واذا ما اعترض الزبون على الصنف او السعر يُقال له ليس لدينا صنف آخر، وهذا المتوفّر لدينا.
وأكّدت المصادر، انّه ليس من السهل ضبط هذه المتاجر مثلما يحصل في السوبرماركات، لأنّها أكثر انتشاراً، الّا انّ الوزارة تحاول قدر الإمكان ضبطهم، وقد سطّرت مئات المحاضر في حق عدد كبير منهم.
ورداً على سؤال، أكّدت المصادر انّ الأصناف المدعومة لا تزال متوفرة، لكن بما انّ اغلبيتها معروضة في السوبرماركت وهي مقفلة راهناً، ظنّ البعض انّها ما عادت موجودة. اما اذا توفرت في المحلات الصغيرة فيُحجم التجار عن بيعها، لأنّهم حالياً يتحكمون بالصنف الذي يفرضونه على المستهلك. أضافت المصادر: “انّ الهلع الذي أصاب المستهلكين قبيل الإقفال دفعهم الى الشراء والتخزين بكميات كبيرة تقدّر بحوالى 3 اضعاف ما تمّ شراؤه خلال أعياد الميلاد ورأس السنة. لذا فإنّ السلع المدعومة ما عادت متوفرة بكميات كبيرة.”
ترشيشي
الى ذلك، لا تزال أسعار الفاكهة والخضار تشكّل مفاجأة بأسعارها الآخذة بالارتفاع، وقد حلّقت خلال الإقفال العام، فهل من مبرّر لذلك؟
يؤكّد رئيس تجمع مزارعي البقاع ابراهيم ترشيشي لـ”الجمهورية”، انّ الخضار والفاكهة اللبنانية متوفرة بكثرة في هذه الفترة، وبكميات أكبر مما كانت عليه خلال فترة ما قبل الاقفال العام، فالإنتاج اليوم يصل الى 2500 طن من المنتجات الزراعية لكن، وبسبب الاقفال العام، لا نتمكّن من تصريف أكثر من 1500 طن. وبدل ان يؤدّي هذا الأمر الى تراجع الأسعار حصل العكس.
وقال: “هناك حلقة مفقودة. بسبب الإقفال العام ما عاد في استطاعة المواطن اللبناني الوصول عند البقال او السوبرماركت ليشتري حاجياته بنفسه وعلى ذوقه ووفق السعر الذي يناسبه، انما هو مجبر بخدمة الدليفري، ويستحيل تصريف 2500 طن من المنتجات بالإتكال فقط على هذه الخدمة”.
وختم: “استفاد من هذه الأزمة تاجر المفرّق الذي بات يتحكّم بالمستهلك ويفرض عليه السعر والنوعية التي يريدها”. وطالب ترشيشي بالسماح للمواطنين بالخروج لانتقاء حاجاتهم بأنفسهم فتعود المنافسة.
برو
في المحصلة، يؤكّد رئيس جمعية المستهلك زهير برو، اننا اليوم نعيش تحت رحمة أصحاب الدكاكين. عازياً السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار الى اختفاء المنافسة التي كانت قائمة ولو بنسبة ضئيلة بين هؤلاء وأصحاب السوبرماركت. ففي ظلّ الاقفال العام بات المستهلك أسير دكاكين الحي الذين وجدوا في ذلك فرصة لا تُعوّض لرفع الأسعار. وكشف انّ مبيعات أصحاب الدكاكين زادت خلال هذا الشهر ما بين 100 و 200%، وتختلف باختلاف المناطق، اما اسعارهم فزادت بالحدّ الأدنى ما بين 20 و 30 في المئة وأحيانا أكثر. ورجّح برو ان تعود هذه الأسعار لتتراجع تدريجياً، اذا أُعيد فتح السوبرماركات اعتباراً من 8 شباط.
من جهة أخرى، أسف برو لرفع وزارة الاقتصاد سعر ربطة الخبز، وقال: “هي ليست المرة الأولى التي تلعب فيها الافران هذه اللعبة لترفع سعر الربطة. لكن الحق على السلطة السياسية ووزارة الاقتصاد التي تنصاع لهم لنصل الى ما نحن عليه اليوم. واصفاً الوضع بـ”النهبة المفتوحة”، فما ان يرتفع سعر عنصر من عناصر انتاج الخبز، ترفع الافران ثمن الربطة وتلصق بهذا الارتفاع كل الكلفة. واعتبر انّ المشكلة الأساسية تكمن عند وزارة الاقتصاد، التي لا تزال تصرّ على دعم المطاحن والافران والتجار بدلاً من دعم المستهلك.