كتبت هيام القصيفي في جريدة الأخبار:
منذ أشهر، والكلام عن الانتخابات النيابية يتقدم في المجالس السياسية، متقاطعاً مع الكلام عن مستقبل الانتخابات الرئاسية، واحتمالات الفراغ وفق السيناريو المعتاد عند انتهاء كل ولاية رئاسية. لكن الواضح حتى الآن أن الانتخابات ومستقبل المجلس النيابي لا يشغلان بال سوى القوى المسيحية وحدها، وفق اعتبارات ورؤى مختلفة حيال هذا الاستحقاق.
قبل أشهر، فتح الرئيس نبيه بري النقاش حول قانون جديد للانتخاب، وبدأ يضع الملف على طاولة اللجان والبحث بين الاطراف السياسيين، ضاغطا في اتجاه تعديله، رغم أن الإشارت الاولى أظهرت بدء اصطفاف مسيحي ضده. تضافرت جهود القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لمواجهة تمرير أي مشروع قانون انتخاب جديد، في مقابل تأييد بري والمستقبل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للبحث في تغيير القانون الحالي، وكل واحد لأسباب تتلاقى في نهاية المطاف حول تأمين السيطرة على عدد من المقاعد التي ذهبت إلى أحزاب وتيارات أخرى.
كان موقف القوى المسيحية حازماً في ترحيل القانون، بين كلام النائب جورج عدوان حينها أن «المشكلة ليست في تغير القانون بل محاولة تغيير النظام»، وكلام النائب ألان عون أن «أهم إنجاز للقانون الحالي تمثيل المكونات كافة، ولا يجوز العودة عنه». انتهت جلسات اللجان على ترحيل النقاشات، ودخل البلد في أزمة الحكومة وتشكيلها. لكن لم يكد البحث يطوى مرحلياً حول القانون، حتى بدأ بعض القوى المسيحية تحديداً، يلفت الى احتمالات التمديد للمجلس النيابي، وسط استعادة القوات طرح الانتخابات النيابية المبكرة الذي كان سبق أن اقترحه حزب الكتائب. عملياً لم يعد النقاش مجدياً بشأن الانتخابات النيابية المبكرة، ليس بسبب الوقت الذي لم يعد سانحاً لإجرائها وحسب، بل أيضاً بسبب تكتل قوى سياسية هي نفسها التي تؤيد تعديل القانون الحالي.
تنطلق «القوات» من مبدأ أن الانتخابات المقبلة ستغير خريطة المجلس الحالي وتركيبته وأكثريته، وبالتالي تسمح بانتخاب رئيس جديد انطلاقاً من أكثرية مغايرة للسائدة حالياً، علماً بأنها تواجه بانتقادات منها أنها تحاول تحسين حصتها المسيحية في الانتخابات المبكرة على قاعدة المتغيرات التي جرت منذ أقل من سنتين وطالت العهد، وضاعفت قاعدتها الشعبية. لكنها في المقابل لم تعد تملك التحالفات التي كانت تخولها سابقاً مع حلفائها الحصول على أكثرية تسمح بانتخاب رئيس جديد من خط سياسي مختلف، إضافة الى أن هذه الأكثرية سبق أن وصلت الى المجلس لمرتين، ولم تحقق نتائج سياسية تذكر.
ولأن اقتراح الانتخابات المبكرة لم يلاق ردود فعل مؤيدة، بدأت حملة سياسية في اتجاه إجراء الانتخابات في موعدها بالحد الأدنى، وتكثيف الضغط لمنع التمديد للمجلس. وهذه الحملة تكثفت في الايام الاخيرة، وتوسعت قاعدة المشككين في إجراء الانتخابات. وما يجمع هؤلاء المشككين هو أنهم ينتمون الى الفريق السياسي نفسه. فاستباق موعد الاستحقاق والسيناريوات المتوقعة، ينطلق من خشية أن تكون المواجهة المقبلة بين مشروعين: التمديد أو إقرار قانون انتخاب جديد، لأن مؤيدي تعديل القانون من بري والمستقبل وجنبلاط، لن يتراجعوا عن مطالبتهم بتعديل القانون كي لا يتعذر ذلك لاحقاً بسبب ضيق الوقت، وهو الأمر الذي انطلق منه بري وحلفاؤه لطرح المشروع للنقاش، العام الفائت. لا بل إن الأزمات السياسية الحالية والمواجهات حول الحكومة، تضاعف من حججهم لتغيير صورة المجلس وتعزيز حصصهم النيابية. إلا أن وضع البلاد أمام نوع جديد من المبارزة السياسية تتعلق بالتمديد قد تخلق متغيراً آخر.
فالاصطفاف لن يكون بالضرورة على الصورة ذاتها كما في الانقسام الحالي حول قانون انتخاب جديد، إذ إن هناك شكوكاً بشأن موقف التيار الوطني المعارض تقليدياً للتمديد للمجلس النيابي، والمهدّد بالتظاهرات ضده، بأن لا يكون في الحدة نفسها، لا بل قد يصبح أقرب الى القبول به.
ينطلق التيار من مقاربة معاكسة لمقاربة القوات بعد المتغيرات التي طالت قاعدته لأسباب عامة لها صلة بأداء العهد، وداخلية تتعلق بالتيار وتحالفاته الانتخابية وما لحق بكتلته النيابية، قد يعترف بها كاملة. وبين احتمالات خسارة مقاعد في تكتله النيابي والتمديد للمجلس النيابي، يرجّح الخيار الثاني، مع الاستعداد لتقديم تبريرات كافية بحجة الميثاقية وبقاء المواقع المسيحية وعدم المس بالتوازنات داخل المجلس ومواجهة احتمالات الفراغ. وهذا من شأنه أن يفتح باباً خلافياً جديداً داخل القوى المسيحية، ويعزّز الانقسام على أبواب انتخابات رئاسية. وسيضاف الى سجل العثرات التي رافقت العهد ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي بنى مطالعاته السياسية مع التيار على رفض التمديد والفراغ في كل أشكاله، قبل أن يصل الى سدة الرئاسة. فهل ينهي عهده بالتمديد للمجلس بعدما وقف والتيار ضده في بداية عهده؟