كتبت جريدة الأخبار:
«أطفالًا يُشقُّ بصرنا على العالم ثمّ يكفّ. من إذ ذاك لا يبقى من العالم إلّا الذكريات»، عبارة تختزل الحساسية اللغوية العالية التي نجدها في ترجمة لقمان سليم لكتاب «توقيعات» للفيلسوف الروماني إميل سيوران (1991)، الكتاب الشعري الثاني الذي اشترك في ترجمته مع وضاح شرارة بعد «الخشخاش والذاكرة» للشاعر الألماني بول تسيلان، إضافة إلى كتاب «أنا الضحية الجلاد أنا» لجوزيف سعادة. كما ألّف كتاب «في قبرٍ في مكانٍ مزدحم يليه بيتنا زجاج ونرشق بالورد والحجارة» الذي افتتحه بشهادة مشتركة مع شقيقته رشا الأمير «بعد عشرة أعوام على تأسيس «دار الجديد» وانطلاقها لا يبقى ما يستحقّ الذكر من الحيثيّات الشخصيّة التي حفّت بذلك إلا القليل، وبمقدار ما يفرحنا أنّ هذه السنوات العشر لم تمضِ سدى، بل أدّت ما ينتظر منها ونأت بنا بعيداً عن لحظة البداية تلك. يفرحنا أنّ ذاك القليل الذي ندّعي أنّه بقي لنا منها هو تماماً كلّ ما لو خيّرنا لتمنّينا أن يبقى. ولحسن الحظّ أنّ قليلنا هذا ليس شيئاً تسري عليه سنّة الأشياء من كون فاسد، ولا بصديق يؤسف على صداقته متى ما ولّت وإنّما بتواضع ولو بدا قولنا خلاف ذلك ــــ همّنا أن نتعاطى هذه المهنة على أشبه وجه ممكن بما قرأناه عنها في الكتب».
لقمان سليم المولود في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية عام 1962، والحاصل على شهادة في الفلسفة من جامعة السوربون، أسس بعد عودته من فرنسا مع شقيقته مؤسسة «دار الجديد» عام 1990 التي تعرّف عن نفسها بأنها «دارٌ حرّة، مستقلّة وطليعيّة. كتّابنا نجومٌ أينما حلّوا، كتُبنا لا تشيخ، «الجديد» فكرةٌ والأفكارُ لا توصدُ أبوابها».
اهتمت الدار بآثار العلّامة الراحل عبد الله العلايلي، فأعادت طباعة «المعجم» الموسوعة التي تشارك الشيخ في تأسيسها مع سهيل يمّوت، و«مقدمة لدراسة لغة العرب» و«مشاهد من أيام النبوّة» و«أين الخطأ» إلى مؤلفات العلايلي الأخرى. كما طبعت الدار كتاب «في الشعر الجاهلي» لعميد الأدب العربي طه حسين الذي صدر ضمن سلسلة طبق الأصل، أي طبق أصل طبعته الأولى الصادرة عن مطبعة «دار الكتب المصريّة» في القاهرة في عام 1929، وديوان الحسين بن منصور الحلاج. كما طبعت الدار مجموعة من الدواوين الشعرية لأعلام في الشعر العربي الحديث من محمود درويش في «أحد عشر كوكباً» و«أرى ما أريد» إلى أنسي الحاج في «لن» و«الرأس المقطوع» و«الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» و«ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة» و«ماضي الأيام الآتية» وأدونيس في «قالت الأرض» وسعدي يوسف في «جنة المنسيات» وسميح القاسم في «الكتب السبعة» ومجموعات شعرية لمحمد علي شمس الدين، ووديع سعادة، وعباس بيضون، وشبيب الأمين، وسليم بركات، وعيسى مخلوف، وبول شاوول، وبسام حجار، وصلاح ستيتية وشعراء آخرين، إضافة إلى عناية الدار بتجارب شعرية شابة في حينها مثل فيديل سبيتي، وفادي طفيلي، ورامي الأمين، وسوزان عليوان، وسامر أبو هواش. أسماء روائية وأدبية مميزة حضرت على قائمة منشورات «الجديد» مثل ألكسندر سولجنتسين، ونورمان ميلر، ومليكة أوفقير، وحسن داوود، وانعام كجه جي، وكمال داوود، وسحبان مروة، ورشا الأمير. السياسة والثقافة والفكر حضرت كذلك في مؤلفات لأسماء لامعة كالرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، ووضاح شرارة، وأحمد بيضون، وطلال سلمان، واسماعيل مظهر، ومحمود حسين، وأحمد الكاتب، وخليل رامز سركيس، وفيصل جلول، وحازم صاغية، وعبد الكريم سروش، ونوشيو أوردينه وغيرهم.
الشغف الثاني لسليم تمثل في توثيق ذاكرة الحرب اللبنانية، وقد تندرج ترجمته لكتاب جوزيف سعادة المشارك في مجزرة «السبت الأسود» ضمن هذا السياق، وهو مشروع كان قد صدّره على صفحة «دار الجديد» بـ«جمع شتات ذاكرة الحرب اللبنانيّة متابعاً بدقّة وعبر كتب ومعارض وحلقات نقاش موضوع المفقودين وبوسطة عين الرمانّة واستديو بعلبك والمحكمة العسكريّة ومصير المقاتلين الصغار الذين دفعوا أثمان الحروب الجانبيّة التي دارت على هامش الحرب الرسميّ»، فأسس عام 2004 مشروع «أمم» للتوثيق والأبحاث وهو عبارة عن مشروع أرشفة هائل للحرب الأهلية وجمعية «هيا بنا» وقد ضمّ «هنغار أمم» في الغبيري أكثر من عرض سينمائي وكوريغرافي ومعرض سمعي ــــ بصري حول الحرب وصورها وملصقاتها السياسية ضمن مشروع مكافحة العنف وفهم الظاهرة في كل تفاصيلها لتجنب تكرارها. وانبثق من هذا النشاط «ديوان الذاكرة اللبنانية» و«مكتبة أمم» كقاعدة بيانات عن الحرب، وخاصة «الحروب الصغيرة» في كل تفاصيلها والكتب الناقدة التي تتناول وجهات نظر التنظيمات والميليشيات المختلفة المشاركة في المقتلة اللبنانية ومجلات وبيانات ووثائق ومستندات نادرة وصحف متنوعة وأرشيف «استديو بعلبك» وفندق «الكارلتون» الذي تم استنقاذه من الضياع مع أرشفة المواد بطريقة إلكترونية عصرية. أخرج سليم أفلاماً وثائقية عديدة مرتبطة بأحداث لبنان والمنطقة مع زوجته المخرجة الألمانية مونيكا بورغمان وهي: «مَقَاتل» (2004، مع مونيكا بورغمان وهرمان تايسن)، وفيلمه الأبرز عن مجزرة صبرا وشاتيلا (1982) بألسنة بعض المشاركين فيها، وهي المجزرة التي حرص على التنديد بها سنوياً؛ وSur Place المُنجز عام 2009؛ و«تدمر» (2016)، عن لبنانيين في السجون السورية.