كتب شربل البيسيري في “الجمهورية”:
انقضّت وزارة المال في مشروع موازنة 2021 الذي أحالته إلى مجلس الوزراء لمناقشته وأحالته إلى المجلس النيابي لإقراره، على أكثر من 32 مليار ليرة كانت مخصّصة – بعد تقشُّفٍ أضرّ بها في موازنتَي 2019 و2020 – للاهتمام بالأبنية وتجهيزها ونفقات دروس وشبكة معلوماتية بين المدارس وصيانتها.
وتَزعم الوزارة، بأرقام موازنتها، أنّ المسّ بهذه المخصّصات المالية لقطاع التعليم الرسمي (المدرسي، المهني، الثانوي والجامعي) بالإضافة إلى مخصّصات الأساتذة، على غرار جميع موظفي القطاع العام وبعض إدارات الدولة، هو سياسة تقشّف في أرقام العام الفائت، من دون تغطية العجز الكامل أو حتى ذكر الديون المتوجّبة على لبنان خلال هذه السنة، وكأنّ انهياراً مالياً واقتصادياً لم يقع.
الأرقام المُصَفَّرة
في الوقت الذي يُعتمد التعليم عن بُعد، رأت وزارة المال أنّ الـ3,5 مليارات ليرة لتجهيزات المعلوماتية والنصف مليار ليرة لصونها (المادة 26 من القانون الرقم 66 (موازنة 2017) والمادة 14 من القانون النافذ حكماً الرقم 6 (موازنة 2020)) لا حاجة لها في تطوير شبكة التعليم «أونلاين»، وربما تطوير منصّة لإجراء امتحانات الشهادتين المتوسطة والثانوية والتعليم المهني عن بُعد، في حال استمرّ فشل الدولة في السيطرة على تفشي فيروس كورونا، وبالتالي غياب إمكانية عودة التلامذة إلى المدارس والمعاهد لإجراء الامتحانات.
على المنوال نفسه، نُسِف اعتمادٌ كان مخصَّصاً للجامعة اللبنانية بقيمة 22 مليار ليرة (المادة 22 من القانون رقم 286 وتعديلاتها)، بالإضافة إلى أنّ موازنة الجامعة تمّ خفضها 10,33 مليارات ليرة من 375,3 مليار ليرة إلى 364,7 مليار ليرة، وهي تتضمّن نفقات رواتب الأساتذة، زيادة المعاشات المستحقة للموظفين – التي لم يتقاضوها يوماً على الرغم من أنّهم يستحقّونها – أوراق الامتحانات، المحابر، المختبرات، المقرّرات، تجهيزات الأثاث والصيانة وغيرها.
إلى ذلك، تمّ تصفير أرقام المادة 27 من القانون الرقم 66 (موازنة 2017) الذي يسمح لوزارة التربية والتعليم العالي بإنشاء وتجهيز أبنية مدرسية، إذ تبلغ قيمة الاعتمادات أكثر من 6 مليارات ليرة.
إمكانية الإستعانة بالأرقام المُصفَّرة
كان في الإمكان اعتماد أموال شبكة التعليم عن بُعد لإضافة تطبيقات ZOOM وTEAMS وGoogle Classroom على اللائحة البيضاء (White list)، فيُصبِح استعمالها مجانياً بالنسبة إلى التلامذة والطلاب في المدارس والمعاهد والجامعات، على غرار Wikipedia المتاح مجاناً للطلبة الجامعيِّين عبر خدمة الـA+، خصوصاً وأنّ مؤشّر كلفة المعيشة لسنة 2021، الصادر آنفاً، أظهر ارتفاعاً بنسبة 83,64% في لبنان. علماً أنّ وضع هذه التطبيقات على اللائحة البيضاء قد لا يكلّف الدولة اللبنانية ليرةً واحدة.
فيما، ستُهدِر المدارس والثانويات والمعاهد الرسمية والجامعة اللبنانية، فرصة صيانة غالبية أبنيتها الضعيفة البنية وغير المجهّزة بكل أثاث التعليم، بالإضافة إلى توسيع الصفوف التي لن تتسع لـ»النازحين من المدارس والثانويات والمعاهد والجامعة الخاصة» إلى نظيرتها العامة، إذ كان عدد طلاب الجامعة اللبنانية في العام الدراسي الفائت يُقدَّر بـ80 ألفاً، غير أنّه تجاوز هذا الرقم بكثير هذه السنة، بفعل التضخّم والانهيار المالي والاقتصادي.
كما أنّ الجامعة اللبنانية كانت تطلب، كما المدارس والمعاهد والثانويات الرسمية، زيادة أرقام اعتماداتها لسدّ الثغرات التعليمية، بدلاً من تعزيز مقولة رئيس حكومة سابقٍ، رأى أنّ “الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي هدرٌ للمال العام”.
خطرٌ على الرواتب
يوضح الدكتور بشير عصمت، عضو اللجنة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين وتجمّع «جامعيون مستقلون من أجل الوطن»، في حديث لـ”الجمهورية”، أنّ مواد الموازنة “تُخَفِّض موازنة الجامعة المُنخَفِضة أصلاً، بفعل انخفاض قيمة العملة الوطنية، كما تُلغي الـ15 سنة خدمة كحقّ في معاشٍ تقاعدي للاستاذ الجامعي، بالإضافة إلى توحيد مِنَح التعليم على مستوى التعاونية، خلافاً للإتفاق المُبرَم مع الوزير السابق أكرم شهيِّب في حزيران 2019.”
ولم تقتصر الموازنة في التعرّض للأساتذة الجامعيِّين، في موادها 93، 98، 99، 102، 103، 105، 106، 107 و108، بل يتضرّر جرّاء ذلك جميع المدرّسين في قطاع التعليم، فضلاً عن موظفي القطاع العام، لأنّ هذه المواد تعني تجميد طلبات الإحالة الى التقاعد المُسبق، إذ يُستبدل تعويض التقاعد بتعويض صرف، توحيد التقديمات الاجتماعية أي تُحَجَّم التقديمات التي يساهم فيها الأساتذة بنسبة مرتفعة من رواتبهم، إلغاء منحة الوفاة، خفض درجة الاستشفاء، إلغاء المعاش التقاعدي والتعاونية لجميع الموظفين الجدد…
ويضيف عصمت، أنّه «يُفهم من ذلك أنّ الجامعة لن تُرفَد بأساتذة بدلاً من الذين يتعاقدون، لا ملاك جامعياً بعد اليوم، المتعاقدون المتفرّغون إذا ثُبِّتوا لن ينالوا أي تقاعد أو تأمين صحي أو اجتماعي. كأنّ الجامعة تحوّلت مدرسة ليلية عِوَضاً عن تعزيزها، لأنّه لا يُمكِن الخروج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي بغير زيادة الاستثمار في التعليم». ويُقول، إنّ «مَن وَضع الموازنة لا يريد جامعة ولا مدرسة ولا إدارة عامة. إنّ التقاعد الذي يتجهون لإلغائه أو تقليصه ليس هبة أو منحة، إنما هو اقتطاع من راتب الاستاذ شهرياً على مدى 35 أو 40 سنة من الخدمة».
وبحسب عصمت، فإنّ ليس هناك من حلّ سوى في ردّ مشروع الموازنة وتعديله، لأنّ “الأساتذة (كما بقية الموظّفين) ليسوا في موقع التنازل، لأنّه لم يبقَ لهم أي شيء ليتنازلوا عنه. إنّ المعركة طويلة، ولا أظنّ أنّ الابتزاز بحقوق الطلاب والحفاظ على السنة الجامعية لن يجديا هذه المرة. أعتقد شخصياً أنّ التصعيد قائم بلا حدود”.