المسؤولية عن اغتيال لقمان سليم لا تقع فقط على من خطفه وأفرغ في رأسه وجسده الرصاصات القاتلة بدم بارد، بل تقع أيضاً وبالشراكة مع “القاتل” على كل من تواطأ معه وغضّ النظر عنه وربط النزاع معه، وأجرى كل التسويات على حساب الحقيقة والعدالة في كل الجرائم التي سبقت، على الأقل منذ محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة في تشرين الأول 2004.
فكل من سكت عن كل هذه الجرائم، سواء خوفاً أو تواطأً هو شريك وتسبّب بالعودة إلى جرائم الاغتيال التي استهدف لقمان سليم، لأن المجرم متيقّن أنه سيفلت من العقاب والمحاسبة كما في كل مرة، ومدرك أن لا تحقيق سيجري أيضاً كما في كل الجرائم السابقة، وصولاً إلى جريمة انفجار مرفأ بيروت وأيضاً تصفية جو بجاني بدم بارد، ويعرف تمام المعرفة أن أقصى ما يمكن أن يناله أي شهيد يسقط هو بيانات استنكار سخيفة تليق بها إحدى تغريدات لقمان يوم كتب: “من يلزم الصمت اليوم لن يحسن العواء في الغد”!
التزام الصمت لا يخرقه إصدار بيانات الاستنكار والإدانة طالما تقبع كل القوى السياسية في موقع الخائف والمتخاذل عن تسمية المجرم المعروف تحت شعار “ننتظر التحقيقات وكلمة القضاء”، لأن كل هذه القوى تدرك أن التحقيقات والقضاء فشلا فشلاً ذريعاً في القيام بالحد الأدنى المطلوب منهما، وبالتالي فإن التلطي خلف انتظار التحقيقات يُعدّ بمثابة شراكة مع المجرم وتغطية على جريمته لإخفاء الحقيقة!
وكما في جرائم الاغتيال والقتل أيضاً في الجرائم المالية حيث يتم البحث عن “كبش محرقة” عوض توجيه أصابع الاتهام إلى المتسبب الأول في ما وصل لبنان إليه من انهيار شامل ضرب كل قطاعات البلد نتيجة الإصرار على حشر لبنان في المحور الإيراني واستعداء المجتمعين العربي والدولي!
إنه التخاذل العام الذي يسمح للقاتل ليس فقط في التمادي في جرائمه، والتي يبدو أنها ستستمر بكل أسف، بل أيضاً في تمادي حال الترهيب أولاً لجميع المعارضين الشيعة لـ”حزب الله”، وأيضاً لكل من يعارض الحزب وهيمنة إيران على لبنان.
إنها مسؤولية قادة 14 آذار سابقاً الذين تخاذلوا في المواجهة وخانوا دماء الشهداء بتسوياتهم، وبالتهرّب من احتضان المعارضين الشيعة لاستكمال الحال الوطنية، تجنّباً لإثارة حساسية الثنائي الشيعي ولترك الساحة الشيعية لهيمنته، فارتاح في بيئته الداخلية وتفرّغ للعبث داخل كل البيئات الأخرى.
ومرة جديدة يقف لبنان اليوم على مفترق طرق خطير جداً، ولا تبدو القوى السياسية في موقع المواجهة بعد أن استسلمت سابقاً، في حين أن التعويل يبدو منصبّاً على دينامية ما على صعيد المجتمع اللبناني للقيام بانتفاضة ما دفاعاً عن الخطوط الأخيرة في معركة الحريات والتعديية والتنوّع داخل المجتمع اللبناني… فهل ينجح هذا الرهان؟