كتبت كارولين عاكوم في صحيفة الشرق الأوسط:
في الذكرى الخامسة عشرة لتوقيع ورقة «التفاهم» بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، أعلن الأخير أن هذا الاتفاق «لم ينجح في مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد، وهو يحتاج إلى تطوير لبقاء جدواه»، في موقف ليس الأول من نوعه من قبل مسؤولين في «التيار»، علماً بأن الاختلاف ظهر مرات عدة في المرحلة الأخيرة بين الحزبين، ولم يقتصر على القاعدة الشعبية، حيث كان التعبير عنها على وسائل التواصل الاجتماعي، بل تعداها إلى مسؤولين ونواب في «الوطني الحر»، وبشكل كبير إثر فرض العقوبات الأميركية على رئيس «التيار» النائب جبران باسيل، حيث كان الربط بينها وبين علاقة الأخير بـ«حزب الله»، فيما أعلنت أميركا أن العقوبات مرتبطة بقضايا فساد اتهم بها باسيل.
وفي بيان له، تطرق المجلس السياسي في «الوطني الحر»، ضمن قضايا عدة، إلى ذكرى توقيع الاتفاق الذي كان له الدور الأكبر في وصول الرئيس ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وقال: «يرى المجلس في ذكرى توقيع تفاهم مار مخايل بين (التيار الوطني الحر) و(حزب الله) مناسبة للتمعن في هذا التفاهم. فهو جنب لبنان شرور الفتنة والانقسام، وحماه من اعتداءات الخارج، فردع إسرائيل وصد الإرهاب، إلا أنه لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، ويعتبر المجلس أن تطوير هذا التفاهم باتجاه فتح آفاق وآمال جديدة أمام اللبنانيين هو شرط لبقاء جدواه، إذ تنتفي الحاجة إليه إذا لم ينجح الملتزمون به في معركة بناء الدولة، وانتصار اللبنانيين الشرفاء على حلف الفاسدين المدمر لأي مقاومة أو نضال».
وفي هذا الإطار، يذكر النائب في «التيار» جورج عطالله بأن ما جاء في بيان مجلس التيار ليس جديداً، إذ كان قد تحدث عنه باسيل قبل نحو شهر، ولفت إليه أيضاً أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله.
وقال عطالله لـ«الشرق الأوسط»: «تحقق الكثير نتيجة هذا الاتفاق، لكن (حزب الله) لم يستطع مواكبتنا في قضايا بناء الدولة، وإقرار قوانين مكافحة الفساد، ربما لاعتبارات مرتبطة بالثنائية الشيعية (تحالفه مع حركة أمل)»، مؤكداً أنه «بالنسبة إلينا، هذه الأمور هي أساسية ومهمة على قدر أهمية مواجهة إسرائيل»، لافتاً إلى «اجتماعين عقدا بين باسيل ونصر الله خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وكان خلالهما حديث مطول حول هذه القضايا العالقة، وطرحت فيهما كل الهواجس».
وفي رد على سؤال عما إذا كان يمكن تحقيق كل ذلك في المرحلة المقبلة وهي التي لم تتحقق في 15 سنة، يقول: «القناعة موجودة، لكن المشكلة على مستوى التطبيق، ربما لوجود حرج لديهم، لكن هذا سيتم التركيز عليه في المرحلة المقبلة، بعدما تم تشكيل لجنة من الطرفين ستعمل على تحضير أوراق للخروج بورقة محددة، تتضمن الأولويات التي يجب العمل عليها، على ألا تكون المدة مفتوحة».
ويرفض عطالله الربط بين إعادة النظر في ورقة «تفاهم مار مخايل» والعقوبات الأميركية التي فرضت أخيراً على باسيل، ويقول: «لو كانت هذه النية موجودة، كان لدى رئيس التيار الذي اتخذ القرار اللازم الوقت الكافي للانسحاب منه، وما نقوله اليوم قاله باسيل أمام الأميركيين».
وعما إذا كان هذا الاتفاق مهدداً بالسقوط، بعد ظهور الخلافات في المرحلة الأخيرة، يقول عطالله: «بالنسبة إلينا، هدفنا العمل عليه لتحسينه وتطويره، وحتى توسيعه، ليشمل أفرقاء آخرين، وليس سقوطه، وهذا ما نسعى إليه».
وفي المقابل، يعد النائب المتحالف مع «حزب الله» الوليد سكرية أن المشكلة بين الحزب والتيار الوطني الحر هي في مكان آخر، وتحديداً في التمثيل الطائفي، والخوف المشروع على حقوق الطائفة المسيحية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون الأوضاع التي مرت بها لبنان منعت تنفيذ بعض الأمور، لكن الفريقين متفاهمان تفاهماً كاملاً حول الرؤية والتوجه أنفسهما لبناء الدولة على أساس الوحدة الوطنية»، مشيراً إلى أن «بعض الاختلافات، وأحياناً التجاوزات، من أحد الفريقين موجودة وطبيعية، لكن هذا لا يعني إلغاء الاتفاق، إنما قد يكون بحاجة إلى تطوير عن قناعة».
ويوضح أن «المشكلة بالنسبة إلى التيار الوطني الحر بشكل أساسي هي مقاربة المناصفة في الوظائف، وهي النقطة التي يحصرها اتفاق الطائف في الفئة الأولى فقط، في وقت يطالب فيه التيار بتطبيقها في كل الفئات، انطلاقاً من الواقع اللبناني اليوم، حيث بات فيه المسلمون أكثر عددياً من المسيحيين، وهذا ربما يكون لاحقاً على حساب المساواة، وبالتالي يحتاج إلى توحيد الرؤية لضمان حقوق الجميع، والعيش المشترك بعيداً عن الخلافات»، مؤكدا في الوقت عينه أن حل ذلك يكون بتطبيق اتفاق الطائف، عبر إنشاء مجلس الشيوخ الذي يمثل كل الطوائف ويحفظ حقوقها، على أن يكون البرلمان اللبناني خارج القيد الطائفي.
ومن جهة أخرى، يرفض سكرية الحديث عن خلافات في القضايا الاستراتيجية بين الطرفين، ويعد أن حديث باسيل قبل أشهر عن عدم وجود خلافات آيديولوجية مع إسرائيل هو كلام ابن ساعته لمحاكاة فئة معنية من الجمهور، لكنه ليس قراراً حزبياً أساسياً.
كما يرفض الحديث عن معتقلين في السجون السورية، ويعد أن هذا الكلام هو تصويب ضد النظام السوري. أما فيما يتعلق بعودة اللبنانيين من إسرائيل، ورغم محاولة «التيار الوطني الحر» إجراء تعديل على القانون المتعلق بها، فيقول سكرية: «عودة المتعاملين مع إسرائيل لا يمكن أن تمر من دون محاسبة. أما الآخرون الذين غادروا لبنان بعد التحرير، فيطبق عليهم ما طبق على من أتوا سابقاً، عبر أحكام محدودة».