كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
لم يهتم فقط علم النفس بالأمراض والاضطرابات النفسية، بل إهتمّ أيضاً بصحة الإنسان التي تؤثر تأثيراً مباشراً على مزاجه. فمثلاً، عندما بدأت أعداد الإصابة بكوفيد-19 تتزايد بشكل جنوني، وعندما أصبح حديث الجميع يتمحور حول “كورونا”، شعر كثير من الأشخاص بإضطرابات نفسية وقلق معمم وحالات من الفوبيا من المرض… حتى لو لم يصابوا بالفيروس. فالصحة الجسدية لها تأثيراتها الخاصة على الصحة النفسية والعكس صحيح. ماذا لو كان الموضوع فيزيولوجياً ومؤلماً، وهو الإجهاض… هذه التجربة مؤلمة، ليس فقط على الأم، بل على الأب أيضاً. فما هو الإجهاض؟ وكيف يمكن للثنائي أن يتساعد لتخطّيه؟
من الأمور الأكثر صعوبة على الإنسان هو الموت. فكم من المرات لا يمكننا أن نلفظ كلمة «موت» وكأنّها تحمل تأثيراً سلبياً. ومن المعروف أنّه عبر الحضارات والعصور، واجه الإنسان المصاعب، وحاول تخطّيها، منها الإجهاض الذي يؤثر تأثيراً كبيراً على الثنائي بشكل عام وعلى الأم بشكل خاص. ففي بعض الأحيان، تشعر الأم بأنّها المسؤولة عن موت جنينها… ولكن هذا ليس صحيحاً لأنّ هناك أسباباً كثيرة يمكن أن تؤدي إلى الإجهاض. ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، خصوصاً من المنظور النفسي، أجرت “الجمهورية” مقابلة مع القابلة القانونية المتخصصة بالمتابعة النفس-جسدية، السيدة “نانسي جرجس”.
الإجهاض… ما أصعب هذه الكلمة
تفسّر القابلة القانونية السيدة جرجس، أنّ: “الإجهاض هو فقدان الحمل بصورة تلقائية قبل الأسبوع العشرين من الحمل، أي بعد 22 أسبوعاً من انقطاع الطمث. وتحدث معظم حالات الإجهاض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أي بين الأسبوع السابع والثاني عشر. إنّها متكرّرة الحدوث، لكن نادرًا ما يتمّ اكتشافها. وتحدث الكثير منها مبكرًا، لدرجة أنّ المرأة لا تلحق تعلم أنّها حامل حتى. فعند النساء اللّواتي يعرفن بالفعل أنّهن حوامل، يكون معدّل الإجهاض التلقائي من 10 إلى 20 % من حالات الحمل”. وتضيف جرجس، بأنّ أسباب الإجهاض متعدّدة، ويمكن أن تكون فيزيولوجية: مثلاً أسباب متعلقة بالتكوين عند الجنين، أو أسباب خارجية أدّت للإجهاض: سقوط الأم على بطنها. كما قد تكون أسباب لها علاقة بصحة الأم: إرتفاع الحرارة بشكل كبير، تناول بعض الأدوية الممنوعة أثناء الحمل، شمّ بعض روائح مواد كيميائية بشكل مستمر، تعاطي المخدرات، إستهلاك الكحول،…
والأسباب النفسية؟
بحسب القابلة القانونية نانسي جرجس، التي تخصّصت أيضاً بالمتابعة النفس-جسدية، هناك أسباب نفسية كثيرة تؤثر مباشرة على حياة الحامل وعلى الجنين. فكل المشاعر والإنفعالات التي تمرّ بها الأم يمكن أن تنتقل إلى الجنين وتؤثر فيه. كما تكرار الانفعال والصراخ والبكاء والاكتئاب والتوتر والقلق، كلها عوامل تؤثر في صحة الحمل.
هذه الحالة النفسية السيئة للحامل في بداية الحمل تؤدي إلى حدوث انقباضات سريعة ومتتالية في الرحم، ما يؤدي بدوره إلى حدوث الإجهاض خصوصاً إذا كان الحمل في بدايته ولم يثبت بعد، أو إذا كان الحمل من النوع الحساس، أو إذا كانت قد تعرّضت المرأة مسبقًا لإجهاض، فالحمل يكون ضعيفًا في الأسابيع الأولى ويحتاج إلى الراحة والابتعاد عن كل ما يسبب التوتر والقلق.
مراحل الإجهاض النفسية
يمرّ الأهل بمراحل نفسية صعبة بعد الإجهاض وهي مراحل الحداد. وتشرح جرجس، بأنّ كل إنسان يحلم منذ طفولته المبكرة بالطفل الخيالي، وإنّ الرغبة في إنجاب طفل هي أيضًا “رغبة في تطبيق كل ما يتمناه الأهل ولم يستطيعوا تحقيقه”. لذا يأتي الطفل لتحقيق رغبات الأهل. وقبل ان يحصل الحمل من اللحظة التي يفكر فيها الرجل والمرأة في بناء عائلة، تبدأ الأحلام والتصورات (مثل اختيار الإسم، وانتقاء الأغراض…)، ويأتي الاجهاض ليهدم كلّ هذه الاحلام. كما يرافق هذا الإجهاض الخجل والشعور بالذنب والحزن وعدم الفهم لدى كلا الوالدين. حتى أنّهما قد يشعران بالدونية والفشل وعدم الجدارة وحتى العار، ويفقدان إحساسهما بقيمتهما الذاتية.
ويمكن أن يؤدي الإجهاض إلى صعوبات نفسية عند النساء والرجال، مع ظهور أعراض القلق أو الاكتئاب أو الإجهاد اللاحق للصدمة، كما يمكننا أن نجد مشاعر الفراغ (فراغ الرحم الذي كان ممتلئاً بالجنين) والذنب (تشعر المرأة أنّها المسؤولة عن موت الجنين) والظلم والخوف والدمار وحتى الغضب، التي من الممكن أن تتفاوت بالتوقيت من ثنائيّ إلى آخر. وفي حال طالت هذه الأعراض، لا بدّ من اللّجوء الى طبيب أو أخصائي نفس.
وما هو دور الثنائي تجاه بعضهما؟
بحسب جرجس، يمكن للإجهاض أو فقدان الحمل أن يفكّك في بعض الأحيان العلاقة الزوجية، إذا لم يكن هناك تواصل بين كلا الزوجين او مشاركة بين بعضهما البعض بما يدور في القلب والأفكار.
لذلك يجب على الزوجين :
أولاً، أن يتحلّا بالصبر وان يدعما بعضهما البعض وأن يواظبا على التواصل.
ثانياً، التواصل مع الطبيب النسائي لمعرفة أسباب الاجهاض. يساعد ذلك في الاستعداد بشكل أفضل لمحاولة أخرى للحمل، وعلى فهم الأمور بصورة أوضح.
ثالثاً، القيام بالتمارين الرياضية، فالحركة تؤدي إلى إطلاق الإندورفين، ويمكن أن يساعد ذلك في التغلّب على التوتر.
وفترة الحزن يمكن أن تكون مختلفة بين الوالدين، لذلك من المهم مشاركة المشاعر، المخاوف والأحاسيس، كي لا يتخطّى ويتعافى أحد الوالدين، فيما يبقى الشريك الآخر في حالة من الحزن.
وسائل التخفيف من الآلام النفسية للإجهاض
بحسب السيدة نانسي جرجس، “لدى القابلة القانونية دور رئيسي في مرافقة الزوجين وخصوصاً المرأة، من مساندتها وتقويتها والتخفيف من الآثار النفسية الّتي يخلّفها الإجهاض، وذلك من خلال:
أولاً، الاستماع والدعم.
ثانياً، مساعدة المرأة في التعبير عن احتياجاتها واهتماماتها ومخاوفها ومساعدتها في التغلّب عليها.
ثالثاً، مساعدة النساء في تطوير مهاراتهن وتعبئة مواردهن. بالتالي يجب أن تحظى الأم بدعم زوجها والعائلة والأصدقاء، ومن الضروري أن تكون محاطة بأشخاص تدعمها، تتفهمّها وتغمرها بالحنان والعاطفة والحب. كما على الأم أيضاً أن تدعم زوجها الذي سيشعر بالألم النفسي والإنزعاج…”.