كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
لم نُصادف يوماً قاتلاً “بارد الأعصاب” كما هو. قاتلٌ “يتأهل” بالمتصل ويودعه بعبارة “مع السلامة”. فهل إبراهيم غزال مجرم قبل أن يقتل زوجته زينة كنجو أم هو، كما زينة، ضحيّة؟ هل هو نصّاب قبل أن يصبح قاتلاً؟ هل نصب على لبنانيين، وغير لبنانيين، كثيرين على مساحة جغرافية امتدادها لبنان- سوريا- تركيا- وبلاد القوقاز؟ وعلامَ راهن هذا القاتل، إثر جريمته، في أسبوع قضاه في تركيا؟ وهل يصل اليوم كما وعد الى لبنان؟
“نداء الوطن”: ألو…
القاتل: أهلاً، أهلاً…
“نداء الوطن”: ابراهيم غزال؟
القاتل: نعم. كيفك؟ شو أخبارك؟
“نداء الوطن”: (مستغربة) أنا منيحة… إنتَ؟
القاتل: والله تكلمت مع تلفزيونين تلاتة وبدي سكّر الموضوع بقا لشوف شو بدو يصير.
“نداء الوطن”: شو بدو يصير… قتلت زوجتك ويفترض تسليم نفسك.
القاتل: لا، لم اقتلها. ساقبت. تشاجرنا. وحاولت إقفال فمها وصار ما صار.
“نداء الوطن”: تتحدث وكأن من ماتت فأرة، هرّة، نملة… ألم تقم زوجتك بالدفاع عن نفسها؟ ألم يجعلك دفاعها عن نفسِها تعود الى رشدك؟
القاتل: ما يجب أن تنتبهي إليه هو أن وزني 145 كيلوغراماً وبالتالي الحركة التي قمت بها أتت قاسية.
“نداء الوطن”: هل قتلتها لأنك تغار عليها؟
القاتل: لا يوجد أي رجل في العالم لا يغار على “مرتو”.
“نداء الوطن”: لكن غيرة عن غيرة تختلف؟
القاتل: أنا أحبها أكثر مما تتصورين…
“نداء الوطن”: الإثنين ستعود. وعدت بذلك. من تتوقع ان يكون في استقبالك: القوى الأمنية؟
القاتل: كل شي بوقتو حلو.
“نداء الوطن”: ندمان؟
القاتل: لا ينفع الندم…
“نداء الوطن”: ماذا سينفع إذاً؟
القاتل: ان أتمعن بما حدث وأحدد أخطائي وأخطاء حبيبتي.
“نداء الوطن”: نشعر بك وكأنك تحاول تبرير فعلتك؟
القاتل: لا، هذه إرادة الله، والعالم مفكرين إني مبسوط. إذا بتشوفي صوري. خسرت 30 كيلوغراماً في اسبوع.
“نداء الوطن”: سمعنا أنك متزوج وزوجتك شريكتك في ما حدث؟
القاتل: هناك من يتقصدون نشر الأخبار عني.
“نداء الوطن”: ماذا تريد؟
القاتل: أريد أن يتوقف الجميع عن التجريح بكرامتي.
“نداء الوطن”: تتحدث عن كرامتك وهناك امرأة قتلتها؟
القاتل: لا، لم اقتلها… صدقيني انا تعبان… ميرسي لإتصالك (وأقفل الخط).
… إنتهى الإتصال. واليوم هو الإثنين، ومنذ ليل السبت – الأحد أقفل ابراهيم غزال، قاتل زوجته زينة كنجو، هاتفه الخليوي. فماذا في أبعاد ما قال وفي ما لم يقل؟ هل هو في طريقه حقاً الى لبنان؟ ماذا دبّر في أسبوع؟ وهل زينة ملكة الأناقة في 2020 وملكة السلام في 2018 كانت، قبل أن تلفظ الروح على يد زوجها، في قبضة عصابة مساحتها لبنان – سوريا- تركيا- القوقاز؟
قبل الإتصال به هاتفياً يوم السبت، كلمناه عبر إنستغرام مساء الجمعة، وكان، بحسب ما قال في “باب الهوى”. وباب الهوى، لمن لا يعرف، نقطة حدودية بين شمال سوريا وتركيا. وهو سمى هذا المكان عن قصد ليحمي نفسه من أي طلب إسترداد يوجهه لبنان، الى اسطنبول، في حال لم يعد اليوم كما وعد. الثابت إذاً في قضية قتل زينة كنجو أن زوجها ليس رجلاً عادياً أبداً. وكل من عرفه من رفيقات زينة وأهلها يجزمون أن وراء “كلام الحب المبالغ الذي طالما أتحفها به كثير من الإرتياب”.
هو العاشق الولهان. وهو الزوج الذي يفلش الأرض وروداً أمام زوجته. ولكن، بحسب ما أخبرتنا به شقيقة زينة الصغرى ربى: “كان هذا الرجل داعشياً مجرماً” وتضيف ربى: “لم تكن تتكلم شقيقتي كثيراً معنا عن علاقتها بزوجها لكنها، قبل أيام قليلة من قتلها، اتصلت بي وأخبرتني أنها تريد ان ترفع دعوى عليه لأنه نصّاب. سرق مالها ومجوهراتها ورهن سيارتها. وعاد وسرق أغلى ما تملك روحها. كان لدى زينة مجوهرات كثيرة وحساب مصرفي أطلعتني عليه فيه نحو 25 ألف دولار أميركي. وقالت لي بالحرف “بدي حصّل حقي من ابراهيم فور فتح البلد والمحاكم”. وفي اليوم التالي اتصلت بي “فيديو كول” وقالت لي: هناك من يريد ان يتكلم معك. وفجأة ظهر هو في الكاميرا وقال لي: هل زينة وحدها أجمل او هي أجمل معي. رأيتها تنظر إليّ كمن يحاول ان يقول شيئاً. شعرتُ بها خائفة منه. أدركت انه يهددها”. ومتى كان آخر اتصال بين الشقيقتين؟ تجيب ربى “تكلمت معها في نفس الليلة التي قتلت فيها. لم أسألها شيئاً. لم أسألها عن سبب وجود ابراهيم في منزلها بعد ان هجرته. خفت ان يكون الى جانبها ويؤذيها. وفي الصباح أبلغونا أن القوى الأمنية اكتشفت زينة جثة هامدة”. يخفت صوت ربى وتتمتم: “في آخر لقاء لي معها قالت لي: سأطلقه ولن أتزوج بعد اليوم أبداً. كرهت كل الرجال بسببه. وسأهتم بعملي وشهرتي. أكثر ما كان يهم زينة هي الشهرة”.
كيف كانت علاقة القاتل بأهل القتيلة؟ تجيب شقيقتها “أمضى وإياها معظم فترة الصيف الماضي في بيت أهلي، في بلدة السنديانة في عكار. كان يبدو عادياً. وسمعناه مراراً يقول لها مبتسماً “إذا بتتركيني بقتلك”. ظنناه يمزح. وماذا كان يعمل؟ تجيب ربى: “قال لنا انه مهندس. وهو سافر مراراً الى تركيا. وأخبرتنا شقيقتي في البداية أنه اشترى لها الشقة التي كانت قد استأجرتها في عين المريسة وسجل كل ما يملك باسمها. ورأيت بنفسي ورقة بذلك. لكن، قبل ان تموت أخبرتنا أنه كذب عليها. ونصب ما تملك. والورقة كانت مزورة”.
هو نصابٌ إذاً قبل أن يكون مجرماً. هو “هندس” قتل زينة قبل أن يقترف، بحسب شقيقتها، جريمته. هو كان قد اشترى بطاقة سفر الى تركيا قبل فعلته. وأخذ معه هاتف زينة وراح يعبث بكلِ محتوياته. وألغى حساباً على السوشيل ميديا باسمه وباسمها “بوب وزينة”. ولا نعرف حتى اللحظة لماذا. هو خطير. إنه يسعى الى تلفيق أخبار حول زينة وفي كل ما يقول كثير من الثغرات.
زينة هي إبنة بلدة السنديانة، كبرت في منزل يضم ست بنات وصبيين: عباس ومحمود. وتملك الصبية المقتولة صديقات كثيرات، بعضهنّ يملكن معلومات حول القهر الذي عاشته قبل أن تقتل. إحدى صديقاتها تعلق: “بتعرفو شو أبشع من الموت؟ الظلم. من يومين كنا معاً أقويها وتقويني، وبين دمعة ودمعة كانت هناك ابتسامة أمل” وتابعت “الآن أصبح بإمكانها أن ترتاح فليس أحنّ عليها من ربّها”.
في زحمة قضية قتل زينة كنجو على يد زوجها ابراهيم الغزال. أطل أحدهم من آل أبو عياش ليُعلن عن جريمة أخرى، هي جريمة نصب، حكى عنها قبل أشهر وبطلها ابراهيم الغزال وزوجته الأخرى لارا المصري، بمساعدة والديها قاسم ونجاة. وفي التفاصيل أن القاتل ابراهيم الذي يحب ان يسميه معارفه “أبو علي” يدّعي أنه يملك شركات وأملاكاً في جورجيا ولبنان وتركيا ويحمل وثائق مزورة وهو قادر على تهريب البشر الى أوروبا وأميركا وغسل الأموال. هو نصب، بحسب أبو عياش، على كثيرين وطاول واحد من أعماله مريض كلى وعده انه سيؤمن له كلية في تركيا لقاء مبلغ 80 ألف دولار. لكنه تركه هناك وهرب مع زوجته لارا وحماته نجاة. ولا بُدّ ان تكون المغدورة قد اكتشفت هي ايضاً حقيقة قاتلها لكن متأخرة.
خطيرٌ ما نسمع. وما سمعناه قد يبرر زيارات الغزال المتكررة الى تركيا وسواها. كما هروبه أيضاً الى هناك بالتحديد. لكن، لا شيء يُبرر أن تكون قضية النصب قد مرت، منذ تشرين الماضي، يوم أعلنت، مرور الكرام. فلا أحد تابعها رسمياً.
القاتل المولع بزينة كنجو، متزوج قبلها وله ولدان، وربما هو متزوج من ثالثة ورابعة. لا شيء يبدو مستحيلاً. لكن، هو وعد أن يصل اليوم. وقد يصل محصّناً بدفاعات شتى بناها مع محاميه في أسبوع وبسرديات يظهر فيها كمن “بق البحصة” مع العلم أن كل بحص الأرض لا يبرر خنق إنسانة حتى الموت.
اليوم الإثنين. فلننتظر قرار القاتل. أما زينة، الجميلة، فهي قد أصبحت باكراً جداً تحت تربة بلدتها السنديانة. وهي التي أحبّت الشهرة كثيراً ولم تعرف أن اسمها سيُصبح، بين ليلة وضحاها، على كل شفة ولسان.