Site icon IMLebanon

الطائف والاغتيالات وسلوك أهل السلطة

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

في مستنقع الانهيارات المتعددة، تشهد الساحة اللبنانية حراكا متعبا في الوحول الراكدة التي تهدد أقدام المتراكضين فوقها بالغرق. فعندما تنهار العملة الوطنية، وعندما يفقد أكثر من 50% من الشعب اللبناني مورد عيشهم، ويبقى 45% آخرون في صراع مع متطلبات الحياة وفقدوا قيمة أموالهم أو لا يستطيعون الوصول اليها، وبينما الوضع الصحي مجهول الأفق، تطل على ساحة الجحيم اللبناني مشاهد مرعبة تحملها أحداث أمنية مقيتة، وتواكبها مواقف سياسية تعطيلية، وتصدر بيانات عن السلطة وأحزابها، فيها توزيع أدوار للتعمية على الفشل وليس لإنتاج حلول. ولو كان مضمون بياناتهم صحيحا فلماذا لم يوقفوا التدهور المالي منذ 5 سنوات؟ بينما بالفعل هم المتسببون فيه. ولماذا لا يسلّمون المتهمين بالاغتيالات والتفجيرات للعدالة؟ ولماذا لا يفرجون عن التشكيلات القضائية ويتوقفون عن الضغط على القضاة؟ تفسيرات المكتب الإعلامي للرئاسة الأولى لبعض مندرجات الدستور اللبناني، تنم عن رغبة بتجاوز اتفاق الطائف الذي أقر بإجماع لبناني وبرعاية عربية ودولية عارمة عام 1989. والأخطر من المواقف الرئاسية التي أدت الى شل حركة الدولة وتعطيل تشكيل الحكومة، هو كلام بعض المقربين من حزب الله ـ ومنهم المفتي أحمد قبلان ـ عن ضرورة تغيير النظام القائم، وما يعنيه هذا الطرح في هذا الوقت بالذات، حيث يملك الحزب قوة عسكرية دون غيره من الأحزاب، وهو ينقاد بأوامر خارجية وفق ما يصرح باستمرار قادة الحزب، والتغيير بهذه الحالة يكون بزيادة نفوذ طائفة على حساب طائفة أخرى، وليس باتجاه إنتاج نظام علماني او مدني جديد.

اما أحداث طرابلس الدامية في الشمال واغتيال الشهيد لقمان سليم في الجنوب، وما سبق ذلك من اغتيالات طالت أشخاصا على علاقة بملف تفجير المرفأ، فقد وضعت البلاد أمام معادلات خطيرة، لأن الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة لم تكشف هوية من يقف وراء هذه الأفعال، رغم أن بعض الأشخاص ظهروا في كاميرات المراقبة، وغالبيتهم معروفون بالاسم كما قالت شقيقة الشهيد لقمان سليم السيدة رشا الأمير. والغموض يلف التحقيق بتفجير المرفأ ايضا، بينما يتحدث الإعلام المحلي والأجنبي عن حقائق دامغة حول المسؤولين عنه. هذه المعطيات أدخلت الى أذهان اللبنانيين الذين يئنون تحت وطأة الكارثة الاقتصادية والصحية، صورة قاتمة جديدة، وأكدت لهم وجود نوايا لتفجير الأوضاع، او لإطلاق موجة اغتيالات جديدة تشبه ما حصل بعد العام 2004، وهذه الصورة دفعت بعض المعارضين للمطالبة بحماية عربية ودولية للبنان، وفق ما جاء في بيان الذين اعتصموا في ساحة الشهيد سمير قصير مستنكرين اغتيال الشهيد سليم.

لعبة تغيير النظام والغاء اتفاق الطائف خطيرة جدا، وقد ترتد بالويل على مطلقيها بالدرجة الأولى، وظروف البلاد حاليا لا تسمح بأي نوع من أنواع التعديل على الدستور، لأنها ستؤدي حكما لفرط العقد الاجتماعي. حتى أن التعديلات الضرورية التي يجب أن تحصل على الدستور لتلافي الثغرات التي يستغلها البعض للتعطيل، لا يمكن أن تحصل في مثل هذا الجو المتوتر. علما أن الحل النهائي برأي أحزاب عديدة ونخب واسعة من اللبنانيين هو إلغاء كل النظام الطائفي القائم، وتحقيق مساواة كاملة بين اللبنانيين عن طريق إنتاج قوانين مدنية وعلمانية دامغة.

اما لعبة الدم والاغتيالات التي أثارت مخاوف كل المعارضين، فيقف وراءها أصحاب النفوذ والذين يعطلون عمل المؤسسات ليبقى سيفهم الشخصي والحزبي مسلطا على قادة أجهزة الأمن والقضاء. علما أن غالبية اللبنانيين يرفضون الدخول في هذه اللعبة القاتلة من جديد.

تؤكد مصادر واسعة الإطلاع: أن المطلوب حاليا هو تغيير سلوك العهد وداعميه من قوى الأمر الواقع، وليس تغيير النظام، لأن العهد لم يقدم أي شيء للبنانيين حتى الآن إلا المهانة والفوضى والانهيار. وليس أمام هؤلاء متسع من الوقت لإظهار الرغبة بتغيير هذا السلوك التدميري، ذلك أن قرارات محلية وخارجية قد اتخذت لإعادة الانتظام وإنقاذ اللبنانيين