كتب منير الربيع في “المدن”:
بين موقفين للبطريرك الماروني بشارة الراعي، حول ضرورة تنظيم مؤتمر دولي لبحث الأزمة اللبنانية، والحفاظ على الدستور والكيان والمناصفة وتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية، ظهر موقف لافت للبابا فرنسيس من الفاتيكان، عبّر عن أمنيته أن يشهد لبنان التزاماً سياسياً وطنياً ودولياً، يساهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية، والانغماس في التجاذبات والتوترات الإقليمية.
وحذر البابا من أن إضعاف المكوّن المسيحي في لبنان يهدد بالقضاء على التوازن الداخلي، ومن مغبة انهيار البلاد اقتصادياً. ولفت إلى أهمية معالجة المشاكل المرتبطة بالنازحين السوريين والفلسطينيين، داعياً السياسيين ورجال الدين إلى وضع مصالحهم الخاصة جانباً والالتزام في تحقيق العدالة وتطبيق الإصلاحات، والعمل بطريقة شفافة وتحمّل نتائج أفعالهم.
قُرأ الموقف البابوي في اتجاهين متناقضين: قوىً لبنانية تحاول استغلاله، كرئيس الجمهورية وصهره ورئيس تياره الحرِن، والراغبين في استمرار تعزيز مبدأ صراعهما على دوريهما واستعادة الصلاحيات. وذلك على أساس هجسهما بتعزيز الحضور والدور المسيحيين اللذين يعتبران أنهما مناطين بهما وحدهما.
أما القوى اللبنانية الأخرى وأطراف المتعددة، فوضعت الموقف البابوي في سياق المواقف العربية والدولية الثابتة حول لبنان، وضرورة تشكيل الحكومة وإنجاز الإصلاحات وإبعاد البلاد عن الصراعات الإقليمية والدولية.
وفي ضوء محاولة باسيل وضع موقف البابا في خانة دعمه، وضخّ معلومات تفيد أن موقف الفاتيكان يتعارض مع موقف البطريرك الراعي، تكشف معلومات عن إجراء اتصالات لبنانية عديدة بمسؤولين فاتيكانيين ومع السفير البابوي في لبنان، للاستيضاح. وتؤكد المعلومات نفسها أن موقف السفير البابوي لم يظهر أي تطابق مع مواقف رئيس الجمهورية وصهره باسيل، وأن كلام البابا لا يذهب في الاتجاه الذي يحاولان استغلاله مظهرين أن موقفهما مطابق لموقف البابا.
الأكيد أن الموقف الفاتيكاني يتلاقى مع المبادرة الفرنسية، في ظل التنسيق المستمر والدائم بين الفرنسيين والفاتيكان وجهات دولية عديدة. وتكشف مصادر أن موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي ليس خارجاً عن سياق ما قاله البابا. لا سيما بعد إسقاط مبادراته والحلول التي طرحها. وهي نابعة من ضرورة الحفاظ على المسيحيين في لبنان وعلى الدولة والدستور والكيان والمناصفة. ولا يمكن أن تكون حساباته تنطوي على مصلحية سياسية ترتبط بشخصية أو بمستقبلها السياسي.
وهذا ما حاول باسيل استغلاله في موقف الراعي، معتبراً أنه يسانده مع عون في معركة تشكيل الحكومة. وهو يحاول أيضاً استغلال موقف البابا على المنوال نفسه. لكن تصريحات البطريرك سرعان ما أكدت رفضه جعل الكنيسة طرفاً في أي صراع سياسي.
وتربط مصادر متابعة كلام البابا عن لبنان وعن حل مشكلة اللاجئين السوريين والفلسطينيين، بما يقوله الفاتيكان دوماً حول ضرورة نبذ العنصرية وتعزيز منطق التعاون والتسامح، ضد إزكاء العنصرية والحرب. وهنا لا بد من الإشارة إلى زيارة البابا إلى دولة الإمارات وإبرام وثيقة الأخوة الإنسانية مع الأزهر. إضافة إلى تحضيره لزيارة العراق ولقائه المرجع السيد علي السيستاني في النجف.
الموقف البابوي من لبنان يندرج في سياق المبادرات الدولية لحلّ الأزمة اللبنانية: ممارسة المزيد من الضغوط لمنع انهيار لبنان التام. وهذا ينعكس إيجاباً على المسيحيين والمسلمين. وليس غايته تقديم صورة سلبية حول المصير المسيحي في الشرق، نظراً للامتيازات التي يتمتع بها المسيحيون في لبنان.
لكن هناك قراءة مسيحية للتطورات، تعتبر أن المعركة قائمة بين السنة والشيعة. وحزب الله يريد السيطرة على كل مقدرات لبنان. وأثناء معركته مع السنّة، نجح الحزب الشيعي في التحالف مع المسيحيين. أي مع شخصية مثل ميشال عون المتمرس في خوض حروب متعددة، بدلاً من حزب الله، وتمكن حزب الله من توظيفها لصالحه.
وهذا ما حصل أثناء إثارة النعرات والصراعات الماضية والمستمرة. وهي أدت إلى إضعاف السنّة، ووضعت لبنان اليوم على طريق مؤتمر تأسيسي جديد.
وهنا بالضبط يكمن خوف مسيحي محدد: عندما يبحث المؤتمر الجديد في تعديل النظام، لن يتمكن الشيعة من مواجهة السنة ونزع صلاحياتهم، بل ستدور الدوائر على حساب المسيحيين. وفي هذا السياق تأتي الدعوات إلى وقف هذا النهج المدمر السائر نحو انهيار شامل في لبنان، وتأتي الدعوات إلى عقد مؤتمر دولي.