كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
تعيش المنطقة الشرق – أوسطية حالاً من الإرباك والترقّب بعد تسلّم الرئيس جو بايدن زمام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، ويتطلّع الجميع إلى إمكان إبرام تسوية شاملة بعد التهديد بالحرب في الأشهر الأخيرة من نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب.
شكّل الجنوب منذ هزيمة 1967 العربية مسرحاً للحروب والإجتياحات، وهذه الأحداث لم تنتهِ مع توقيع “اتفاق الطائف” وتسليم الميليشيات سلاحها، إذ إنّ “حزب الله” المدعوم إيرانياً شكّل قوة تخطّت حدود الجنوب والوطن وبات يتقاتل مع إسرائيل من دون إقامة أي حساب للدولة اللبنانية.
ويتحدث المحلّلون العسكريون كل يوم عن سيناريو حرب بين إسرائيل و”حزب الله”، في وقت يأخذ كل طرف إحتياطاته اللازمة، مع أن إنطلاق التفاوض على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل قد خفّف مستوى الحماوة الجنوبية من دون أن يقضي عليها، فبقي الجمر تحت الرماد ولا أحد يعلم متى تدور حرب شبيهة بحرب تموز 2006.
وفي هذه الأثناء، تبقى العين على الجيش اللبناني الذي يلعب دوراً بارزاً في الداخل وعلى الحدود، ويتلقّى المساعدات الأميركية والبريطانية ومن دول عدّة تثق بدور هذه المؤسسة في الأوقات الصعبة.
وبعد وصول مساعدات بريطانية منذ أيام إلى أفواج الحدود البرية، إتجهت الأنظار إلى التدريب الذي قامت به وحدة مؤلفة من 700 جندي فرنسي وسرية مشاة فنلندية في اليونيفيل في إطار عمليّة دامان (Opération Daman)، حيث يشكّلون وحدة إحتياط قائد القوى، وتنفّذ هذه الوحدة مهماتها في جميع أنحاء منطقة جنوب لبنان بالتعاون الوثيق مع الجيش اللبناني.
واللافت في الموضوع أن التدريب المشترك مع الجيش اللبناني حصل على القتال في المناطق المأهولة حيث شارك لواء المشاة الخامس في مركز تدريب الشواكير، وقد تدرّبَ الجنود اللبنانيون والفرنسيون معاً على تقنيات القتال في الأماكن الآهلة، وهي من أصعب العمليات القتالية لأنها تتطلّب يقظة شاملة وتنسيقاً كبيراً بين الجنود.
لا شكّ أن الجيش اللبناني يقوم بدورات تدريبية ويشارك في دورات في الخارج ويرسل ضباطه لإكتساب الخبرة، لكن الملفت في الخبر أنه يتمّ في الجنوب وبين المناطق الآهلة.
وتُطرح علامات إستفهام عن توقيت هذا التدريب في ظل الحديث عن إمكان إبرام تسوية شاملة في المنطقة بعد المحادثات الأميركية – الإيرانية المرتقبة، ما سينعكس على لبنان وجنوبه بحيث يستلم الجيش زمام المبادرة بدل “حزب الله”، بعد الإتفاق على استراتيجية دفاعية، علماً أن “حزب الله” هو الميليشيا المدربة على خوض حروب الشوارع وقد استعمل هذا السلاح في “حرب تموز”.
وتأتي هذه التحليلات بعد الدخول القطري على خط الأزمة اللبنانية، ويشكّل سلاح “حزب الله” أحد البنود الخلافية الداخلية، وتقرر في مؤتمر “الدوحة” الذي عُقد في أيار 2008 إجراء حوار وطني حول الإستراتيجية الدفاعية للإتفاق على مصير سلاح “الحزب”، وقاد الرئيس ميشال سليمان آنذاك جلسات الحوار الوطني من دون أن تؤدّي إلى نتيجة خصوصاً بعدما نكث “حزب الله” بتوقيعه على “إعلان بعبدا” ومشاركته في الحرب السورية وإدخال لبنان في سياسة المحاور.
ومن جهة أخرى، فإن المشاركة الفرنسية في هذه العملية التدريبية في الجنوب تعطي بُعداً تحليلياً أكثر، مع العلم أن “اليونيفيل” الفرنسية موجودة في الجنوب وتنسّق مع الجيش اللبناني، لكن الدخول الفرنسي على خط الأزمة اللبنانية ومحاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلّها تُعطي مؤشرات الى الدور الفرنسي المستقبلي في لبنان.
وفي وقت يُسقط الجيش اللبناني من قاموسه أنه جيش ضعيف وغير قادر على مواجهة التحديات الخارجية وحماية أمن لبنان وسيادته، تؤكّد مصادر عسكرية لـ”نداء الوطن” أنه “لا يوجد أي أمر إستثنائي في الجنوب، والتدريبات تحصل منذ مدّة حيث يُدرّب الفرنسيون والإيطاليون كل أنواع التدريب للجيش اللبناني، وهذه المرّة كانت عن قتال الشوارع، علماً أن اليونيفيل بنَت هذه المدينة التي تجرى فيها التدريبات على أرض تابعة للجيش اللبناني في منطقة صور”.
وتشدّد المصادر العسكرية على أن “هذه التدريبات الأخيرة ليس لها علاقة لا بالمكان ولا بالزمان وليس لها أبعاد أمنية أو سياسية، فالألوية التي تتدرّب، إن كانت من الجيش أو اليونيفيل موجودة في الجنوب ولذلك يتمّ التدريب هناك”.
وتبقى السياسة هي الأساس في بناء أي استراتيجية دفاعية، لكن موضوع “حزب الله” خاضع للتفاوض الأكبر ولا شيء محسوم، خصوصاً أن التسويات الدولية تفعل فعلها ولا يستطيع أحد الوقوف في وجهها.