من الزاوية الصحافية – المهنية، يفترض ان نقول ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استقبل اليوم في بعبدا الرئيس المكلف سعد الحريري، غير اننا سنكتب ان الاخير زار اليوم القصر والتقى سيّده. فالخبر، هو في اتخاذ الرئيس المكلّف المبادرة وتوجّهه من تلقاء نفسه الى القصر، من دون انتظار اي دعوة او اتصال من الرئيس عون، الذي أصر، رغم النداءات الكثيرة التي وجّهت اليه وأبرزها من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لمدّ اليد للحريري، على التمترس في موقعه.
خطوة الحريري، تستحق ايفاءها حقّها، كونها لافتة “شكلا”، وهي تُعتبر تنازلا جديدا يقدّمه، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، خاصة وانها تأتي بعيد الشريط الذي تمّ تسريبه منذ اسابيع، ويصفه فيه الرئيس عون بالـ”كاذب”. في الشكل، ظهر الرئيس المكلّف “مسؤولا”، وزيارته القصر انما تسعفه في تبييض صفحته – امام الرأي العام المحلي والدولي- من اي عرقلة او تعنّت او تصلّب، وترمي كرة التعطيل والتحجّر في المواقف، في ملعب الفريق الرئاسي.
على اي حال، دلّ الموقف الصريح الذي اطلقه الحريري بعيد اللقاء، الى انه قصد بعبدا ليبرّئ ساحته وذمّته وضميره، لا اكثر. فلا جديد طرأ على نظرته للحكومة وشكلها وكيفية تأليفها، وهذا ما قاله مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ايضا. ويعكس كلامُ الرئيس المكلّف – منطقيا – الموقفَ الفرنسي من التأليف والذي لم يتغيّر او يلين كما حاول البعض الايحاء. فقد قال الحريري: موقفي ثابت وواضح وهو حكومة من 18 وزيراً جميعهم من الاختصاصيين غير المستفزين، وهذا ما لن يتغيّر لديّ. واعلن “انني تشاورتُ مع رئيس الجمهورية وسأكمل التشاور، ولا تقدّم، ولكن شرحتُ له الفرصة الذهبيّة التي نحن فيها وكلّ فريق يتحمّل مسؤوليّة مواقفه منذ اليوم”، مضيفا “لمستُ خلال زيارتي إلى فرنسا حماسة لتشكيل الحكومة اللبنانية والمشكلة تكمن في تأليف حكومة مكوّنة من اختصاصيين، وبخلاف ذلك لا يمكن القيام بأيّ مهمّة إصلاحيّة”.
وبعد ان قال الحريري “اللّهم اشهد اني فعلت وحاولت وبلّغت”، محمّلا الخصوم مسؤولية تطيير الفرصة الدولية السانحة للانقاذ، تسأل المصادر “من هنا، الى اين”؟ نحن دخلنا في مرحلة مواجهة طويلة الامد، تجيب المصادر. والنفق المظلم لن نخرج منه قريبا، على ما يبدو. فالحريري مسلّحا، بدعم عربي – خليجي واضح، وبدعم فرنسي وإن غير مباشر، لكن يؤشّر اليه عدم عدول فرنسا عن مبادرتها وجوهرها، لن يتراجع عن التصوّر الذي وضعه لحكومته والذي سلّمه الى الرئيس عون نهاية العام الماضي.
وفي حال لم تتشكل قوة ضغط خارجية حقيقية تدفع الفريق الرئاسي ومن خلفه حزب الله وايران الى التراجع عن شروطهما، وقد حكي اليوم عن عدم رضى لدى الحزب عن الوزراء الشيعة الذين اختارهم الحريري، فإننا سنكون امام مراوحة قاتلة، ربما استمرت أشهرا الى حين اتضاح مسار العلاقات الاميركية – الايرانية في المنطقة، ومصير الاتفاق النووي الايراني.