كتب جوزف الهاشم في “الجمهورية”:
الشعبُ الذي كان ذات يـوم شعبَ لبنان العظيم، أصبح اليوم شعبَ لبنان اليتيم…
هذا ما أعلنه البطريرك الماروني، ونعى الدولةَ بالرقيم البطريركي.
في السيرة الذاتية لهذه الدولة نقرأ:
ــ لبنان وطـنٌ سيَـدٌ حـرٌّ مستقلّ…
ــ جمهوريةٌ ديمقراطية برلمانية…
تحترم حرّيـةَ الرأي والمعتقد…
ــ تلتزم مواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان…
ــ الشعب مصدر السلطات.
هذه، ليستْ أبياتاً من الشعر المنـثور أو الشعر المُقفَّـى، إنها سطورٌ من مقدّمة الدستور المُـقفَّى، تقرأها كأنك تقرأ الفاتحة على دولةٍ أسْكَنها الله فسيحَ جحيمه.
شعب لبنان العظيم أصبح يتيماً، وليس شرطاً أنْ يكون اليتيمُ قـدْ مات أبـوه، ها هوَ أحمد شوقي يصِفُ اليُتْـمَ بما هو أشدُّ من الموت فيقول:
ليسَ اليتيمُ مَـنِ انتهى أبواهُ مِنْ
هذي الحياةِ وخلَّفاهُ ذليلا
إنّ اليتيمَ هوَ الذي تلقَـى لَـهُ
أُمّـاً تخلَّتْ أوْ أبـاً مشغولا
الأمَّـةُ هي أُمُّ الشعب، والحاكم أبُ الوطن، هكذا لقّبَ مجلسُ الشيوخ شيشرون.
وعندما يصبح المواطنون يتامـى مقهورين في الوطن يكون أبوهم الله…
“… ولا تقربوا مـالَ اليتيم( 1)… فأمّا اليتيمَ فلا تقهر (2)…”
“… والويل لمن يسنّون قوانين غيرَ عادلةٍ ليفترسوا الأرامل ، وينهبوا الأيتام” (3)…
الشعب اليتيم، يُنَـصَّبُ عليه وصـيّ، وليس هناك إلاّ التي كانت الأم الحنون، وهي منذ الإستقلال أمٌ طالق.
… “القادة اللبنانيون لا يستحقّون بلادهم”…
هكذا يقول الرئيس ماكرون وريث الأم الحنون، “والنظام اللبناني قائـمٌ في تركيبتهِ على تحالفٍ مافياوي ـ ميليشياوي ، نتـج عنه حلـفٌ شيطاني بين الفساد والترهيب…”
وهكذا، في عهد الحلف الشيطاني أصبح لبنان جبل الله المقدّس ـ كما جاء في العهد القديم ـ جبلاً من الكفر والفساد والعنف والسلوك الشمولي، وقمـعِ القول بالقتل.
الدولة في الإصطلاح القانوني والديمقراطي والدستوري هي الجسم السياسي الحقوقي الذي ينـظِّم حياة الأفراد في مجتمع يحقِّـق سيادة الشعب ويؤمِـن العدالة والحرية والمساواة.
والدولة عند أرسطو، هي جمهور الناس، والناس أدرى بما هو خيـرٌ لهم، من رجالٍ يتولّـون الحكم بالوراثة على يـدِ طاغية مستبدّ يتجاوز القوانين ولا يخضع إلاّ لسلطته.
والدولة عند الفيلسوف الإلماني “هيغل”، هي حركةٌ لخطى الله على الأرض.
والدولة، كما يقول شارل مالك أمام لجنة حقوق الإنسان: “وُجدت لخدمة الفرد، الفرد ليس عبداً للدولة ، ومنطق الدولة لا يترك الفرد عرضةً لاستبداد الأنظمة السياسية والمؤسسات التابعة لها (4)”.
ولكن الدولة في مفهوم الحكم اللبناني هي التي تجـرّد الإنسان من جوهره الحقيقي كمثل ما يراها ، “ميكياڤيلي”، “تتـخلَّى عن القانون الأخلاقي ، وتعتمد الخديعة للإستحصال على السلطة من طريق الجرائم (5)”.
هذه الدولة، دولتكم أنتم، للبنانكم أنتم، فاحملوها على ظهور الجِمال والنوق وكلِّ أنواع المواشي إلى حيث ترحلون، واتركوا لنا لبنانَـنا: الجبلَ الحضاري المقدّس إلى حيث فيه سنبقى.