كتبت هيام القصيفي في جريدة الأخبار:
لا تعطي حركة الاتصالات والزيارات في لبنان وخارجه كثيراً من إشارات الاطمئنان إلى قرب التوصل الى حل للمأزق اللبناني. واستخدام كلمة مأزق تعني تحديداً أن البحث الحالي يتعدّى موضوع تأليف الحكومة، بعدما أصبح الانهيار على كل المستويات كبيراً ويحتاج الى توسيع إطار المفاوضات داخلياً وخارجياً بدل حصرها في تأليف حكومة فحسب. ولعل التريث في رفع الدعم عن الأساسيات وإعطاء فرصة أشهر إضافية، وقرار فتح البلد تدريجاً بعد إقفال عام، رغم نصائح طبية بالامتناع عنه، من ضمن محاولات لجم ردود الفعل الشعبية بإيعاز سياسي لربح مزيد من الوقت.
فما حصل في طرابلس كان أول جرس إنذار، جرت محاولة تطويقه فبدت أقرب الى محاولة تطويع الشارع كي لا يتمدد الانفجار الشعبي. من هنا، وفي انتظار جلاء نتائج حركة الاتصالات، بدا مبكراً الكلام عن فتح أي ثغرة في الملف الحكومي. فالعقدة التي برزت من اللحظة الأولى محلياً وتتعلق بموقفَي رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري لا تزال هي نفسها. ما عدا ذلك يمكن الكلام عن إحاطات أولية، تتلخص بأن الجميع يراهن على تدخل خارجي لا أكثر ولا أقل.
ففيما ترتفع بعض الرهانات المحلية على تحرك فاتيكاني مع واشنطن في ظل إدارة «الرئيس الكاثوليكي» جو بايدن، من أجل الحفاظ على الاستقرار والمساهمة في حل إنقاذي، في موازاة الاتصالات الفاتيكانية الفرنسية، تظهر محاولة استكشاف مدى جدية الدور الفرنسي في الضغط الفعلي لتأليف حكومة بسرعة، بأجوبة غير مطمئنة حتى الآن. فالحركة الفرنسية الجديدة لا تعطي انطباعاً مغايراً لما سبق من تحرك فرنسي باء بالفشل على دفعتين. ولا تزال الاتجاهات الفرنسية الداخلية متضاربة حيال الرؤية للحل اللبناني. والتحرك الرئاسي، والمختلف عن ردة الفعل على انفجار المرفأ لأسباب محض إنسانية، له علاقة أيضاً بالوضع الداخلي الفرنسي المتعثر على مستويات اقتصادية وصحية وسياسية، وبدور باريس الذي يرغب به ماكرون في السياسة الخارجية. وفي لحظة التريث الأميركي بعد انطلاق عمل الرئيس جو بايدن، وبدء الكلام جدياً أوروبياً حول الاتفاق النووي، هناك فرصة لفرنسا، في العمل خارجياً لتحقيق إنجاز ما.
إذ يفترض أن يزور ماكرون السعودية قبل نهاية الشهر الجاري، مع احتمال زيارته أيضاً الإمارات العربية المتحدة، وهو كان قد التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نهاية العام الفائت في إطار تعزيز دور باريس إقليمياً. وفي مقابل غرقه في أزمة مستمرة بحدّة مع تركيا، يحاول إيجاد توازن بين إبقاء الخطوط مفتوحة مع إيران في أكثر من ملف إقليمي، وتفعيل علاقات مع دول الخليج التي تحتاج باريس الى استثماراتها. وهو يسعى في زيارته الثانية خلال ولايته، ذات الشق الاقتصادي ــــ الصناعي الأساسي، إلى أن يحقق إنجازاً خارجياً من خلال إحداث خرق لبناني، بمساعدة محور عربي له خصوصيته في التعامل مع حزب الله ومع الحريري معاً. لكن من المستبعد أن ينجح في تحقيق خرق بهذا الحجم من دون الأخذ في الحسبان أن المحور الإقليمي الآخر لا يزال متريثاً عند نقطة جلاء مصير الاتفاق النووي، وتبيان حقيقة موقف واشنطن في اليمن، وكيف ستطوّر علاقتها بالسعودية بعد الخطوات الأخيرة تجاه الحوثيين.
يسعى ماكرون من خلال تحركه المتجدد إلى أن يستبق زيارته للسعودية التي لا تزال عند موقفها الأول القائل بعدم الاهتمام بأي مبادرة لبنانية على المستوى الحكومي والمالي، علماً بأن ملفات ماكرون السعودية العسكرية والصناعية، ستجعله أيضاً حذراً في رفع مستوى الضغط للحصول على موقف تراجعي سعودي لدعم لبنان مالياً وسياسياً. وهي لن تغامر مبكراً قبل جلاء الصورة الإقليمية من منظار واسع، في القيام بخطوة في لبنان منفصلة عن مسار إقليمي على أكثر من جبهة على تماس مع إيران فيها. من هنا، لا يمكن الكلام عن قفزة متقدمة تكسر الجمود الحالي، ما لم يتضح مسار باريس الرياض، وعلى أساسها يمكن أيضاً الكلام عن زيارة ماكرون الثالثة لبيروت. لا بل إن زيارة وزير الخارجية القطري للبنان، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، التي كثرت التكهنات حولها، كانت أشبه بزيارة استطلاعية قبل زيارة ماكرون للمنطقة، لاستكشاف إمكانات التقدم في الملف الحكومي، علماً بأن مجرد ربطه أي مساعدات بتأليف حكومة مع برنامج اقتصادي، يوازي سياسياً عدم تقديم أي مبادرة للمساهمة في إنضاج حل عبر قطر. ومن غير المتوقع أن تقدم قطر على خطوة خارج سياق تنسيقها عربياً، بعد المصالحة مع السعودية، ولو أن لهذه المصالحة خصوصيتها الخليجية.
هذا كله يضع الأزمة مجدداً في خانة الانتظار، في مقابل بث أجواء تفاؤلية لدى بعض الجهات لم تظهر حتى الآن سوى على شكل وعود كاذبة.