يردد المسؤولون الأميركيون ودعاة الحرب من المحللين، أن لإيران «دوراً خبيثاً وخطيراً» في الشرق الأوسط، خصوصاً في غزة ولبنان وسورية والعراق واليمن، وانها استطاعت «احتلال أربع عواصم عربية».
وها هي إيران تعلن على لسان وزير الاستخبارات محمد علوي، أنها من «الممكن أن تتجه نحو التصنيع النووي العسكري»، كما كتبت «الراي» في الأشهر الأخيرة، نقلاً عن مسؤولين إيرانيين.
فهل تتجه الأمور نحو الأسوأ أم يقتنع المعنيون أنه حان وقت الجلوس على طاولة المفاوضات؟ تملك الولايات المتحدة 35 قاعدة عسكرية تحوط بإيران. واحتلت قواتها أفغانستان والعراق وجزءاً من سورية، وتفرض عقوبات على سورية ولبنان وإيران، وهي حاضرة بأسطولها البحري والجوي وتستطيع الوصول خلال وقت قصير إلى أي بقعة في الشرق الأوسط، بينما تبعد واشنطن نحو 10 آلاف كيلومتر، عن أقرب عاصمة عربية.
وقد تسببت القوات الأميركية، بكوارث في العديد من المناطق، إن كان بشرياً أو مادياً. بل وفرضت عقوبات على محكمة العدل الدولية وقضاتها، وهي التي وافقت على إنشائها من ضمن 120 دولة لمحاكمة «جرائم الحرب» والتي عرفت بـ«نظام روما»، عام 2002.
وبالنسبة لإيران، كان الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي حينها هنري كيسنجر، من أشد الداعمين للشاه السابق محمد رضا بهلوي.
ووصلت مبيعات الأسلحة الأميركية عام 1977 إلى 2.55 مليار دولار، سنوياً، لطهران.
وقبل نيكسون، كان الرئيس دوايت ايزنهاور، روج للطاقة النووية وأسس للبرنامج النووي الإيراني عام 1957. وفي 1967، زودت واشنطن، طهران، بمفاعل أبحاث نووية بقدرة 5 ميغاواط، وأورانيوم عالي التخصيب لتزويد المفاعل بالوقود.
وكانت للمفاعل قدرة لإنتاج ما يصل إلى 600 غرام من البلاتونيوم سنوياً من الوقود المستهلك، لكن وصول الإمام الخميني إلى السلطة عام 1979 حوّل العلاقة الوطيدة «عداوة»، دعمت فيها أميركا صدام حسين ليغزو إيران وفرضت عقوبات عليها في 1979 وجمدت لها في ذلك التاريخ، 12 مليار دولار من أموال النفط.
وتتالت العقوبات على مرّ السنوات، وإلى يومنا هذا تجد طهران نفسها تحت أقسى العقوبات. وهذا ما دفعها نحو الإنتاج الذاتي «في صراع للبقاء».
عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان، فطلب منها لبنانيون التدخل للمساعدة بإخراج عدوهم المحتل.
فوجدت إيران «أرضاً خصبة» لدعم تحرير الأرضي اللبنانية، ما أعطاها نفوذاً لا يستهان به.
وفي 2011، دعمت أميركا وأوروبا ودول أخرى، إسقاط الرئيس بشار الأسد، ما دفعه إلى طلب مساعدة إيران، التي أصبح لديها بفضل خطة «قلب الأنظمة» التي أرادتها أميركا – وفشلت – موقع قدم صلب في بلاد الشام.
وفي 2014، احتل تنظيم «داعش» ثلث العراق ولم تقبل أميركا تسليم أسلحة، دفعت بغداد ثمنها كاملاً.
ويقول قريبون من طهران، ان واشنطن أرادت تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات.
فتدخلت إيران بطلب من رئيس الوزراء نوري المالكي وفتوى المرجع السيد علي السيستاني، وسلّحت ما تبقى من القوات الأمنية وكذلك «الحشد الشعبي» الذي دعا إليه السيستاني.
وقدمت مرة أخرى أميركا فرصة لطهران للتدخل وإيجاد حلفاء لها في بلاد الرافدين.
كذلك وفرت الحرب الأميركية في أفغانستان مدخلاً لطهران للتقدم منه وزيادة نفوذها.
وأصبحت إيران دولة مصنعة لصواريخ بالستية دقيقة وطائرات من دون طيار مسلحة تصل إلى مسافة ما بعد الـ1500 كيلومتر وقوة بحرية تستطيع من خلالها إغلاق مضيق هرمز.
لكن طهران لم تحتل أي عاصمة عربية: ففي لبنان هناك جزء من السكان يقفون خلف طهران، وثلثان آخران لا يهتمان بما يحصل لها، ومنهم مَن يقف ضدها.
في سورية، ورغم مساعدة إيران للأسد ووجود قوات تابعة لها في بلاد الشام، فإن الرئيس السوري، يراعي روسيا التي تتمنى ان تكون القوة الوحيدة صاحبة نفوذ.
كذلك رفض الأسد، الرد على إسرائيل واختراقاتها المتكرّرة (أكثر من ألف غارة) ولم يستجب لنصيحة طهران.
وها هي أفغانستان تنشط بلقاءات داخلية ومحادثات مع أميركا التي تريد الخروج بعد 20 عاماً من الحروب الدامية من دون التوصل إلى أي نتيجة.
وتعمل الإدارة الحالية على التفاهم مع حركة «طالبان» في محاولة للتوصل إلى اتفاق.
أثبت التاريخ في الأعوام الـ40 الماضية، أن التدخل الأميركي كان العامل الأساسي لتزايد نفوذ إيران في الشرق الأوسط وجعلها قوة إقليمية.
وتريد واشنطن من خلال اتفاق نووي جديد ان تضم قوة طهران الصاروخية وقوة حلفائها في اتفاق واحد لتحويلها الى «قرش من دون أسنان».
وهذا دليل اعتراف أميركا، بتعاظم قوة إيران في المنطقة، والتي أقسمت على دفع الأميركيين خارج غرب آسيا.
لا جديد في سياسة الرئيس جو بايدن تجاه إيران.
فهو سيستفيد من عقوبات سلفه دونالد ترامب ومن الطبيعي أن يرفع بعض العقوبات تحت عنوان «الدافع الإنساني».
إلا ان شيئاً لن يتغير لأن طهران لن تفاوض على أمنها القومي.
وتالياً فإن دورها «الخبيث والخطير» في الشرق الأوسط، هو ببساطة إزعاج للسيطرة الأميركية المطلقة على تلك البقعة من العالم التي هزّتها واشنطن بحروبها وتدخلاتها.