كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
ترتبط حياة الطفل، منذ صغره باللعب بشكل فطري. فاللعب هو اللغة الأولى التي يتقنها الطفل للتعبير عن نفسه وعن حاجياته. كما يمكن للعب أن يُستعمل كلغة رمزية للتعبير عن الذات، أكثر ممّا تعبّر عنه الكلمات، لذلك تنعكس مشاكل عندما يلعب بألعابه. وهناك كثير من علماء النفس الذين درسوا الأطفال وتقسيمهم النفسي، على غرار «بياجيه»، الذي اعتبر أنّ الطفل يتعلّم وهو يلعب، ويكون هذا النشاط الحركي صلة وصل واضحة للنمو العقلي لديه.
للتحدث عن موضوع اللعب كتقنية لمساعدة الطفل على الدرس، التقت «الجمهورية» مع الإختصاصية النفسية والمربّية السيدة وفاء يوسف يوسف، التي فسّرت لنا كيف يمكن للأهل أو للمربية في المدرسة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، أن تساعد الطفل في الدرس، عبر الألعاب.
وسيلة للتعبير عن الذات
للعب تأثير مباشر على الطفل وعلى نموه بشكل عام وعلى درسه بشكل خاص. فكثير من كبار علماء «علم الطفولة» إهتموا باللعب، الذي تمّ إعتباره وسيلة للتعبير عن الذات وللدرس، ونذكر منهم: «فرانسواز دولتو»، الطبيبة النفسية للأطفال، التي إعتبرت، أنّ كل طفل بحاجة للعب وللدرس. وأيضاً «ميلاني كلاين»، المحلّلة النفسية، التي رأت في لعب الاطفال وسيلة للتعبير عن حاجياتهم وطريقة ذكية للتعلّم. وكذلك «وينيكوت»، الذي ركّز كلّ أبحاثه حول الطفولة والطفولة المبكرة وطرق التعلّم.
المدرسة واللعب
تفسّر الإختصاصية النفسية وفاء يوسف، أنّ اللعب أساسي في عالم الطفل، ويجب أن يستغلّ المعلّم في الصف «هذا الميل الفطري عند الطفل، حيث يقوم بتصميم أنشطة تفاعليّة، تُشبع الإحتياجات النفسيّة والإجتماعيّة للمتعلّمين الصغار وتُعزّز الرغبة والحماس، وتزيد من الاندفاع والإهتمام بالمادّة التعليميّة، وتحسّن مفهوم الذَّات لديه، وتُنميّ المهارات الحس-حركيّة، بالإضافة إلى المُتعة والتَسليّة».
ولكن للأسف، قد يرى بعض المسؤولين في المدارس في اللعب، وسيلة ليست جدّية. ولكن تفسّر المربية وفاء يوسف، أنّ نتائج هذه الإستراتيجيّة التعليمية، أي إدخال اللعب في الدروس، أساسية للطفل الصغير، حيث «أثبتت الدّراسات الحديثة، أنَّ اللَّعب مدرسة غير رسميّة، لها نتائج إيجابيّة ملموسة لكلّ من الجوانب التعليميّة، الجسميّة، والنفسيّة، والذهنيّة والإجتماعيّة، وذلك لأنّ الطّفل يضع الأفكار النظرية قيد الممارسة والتنفيذ».
مساعدة الأهل لطفلهم خلال الحَجر
تتابع الأخصائية النفسية تفسيراتها، وتعتبر أنّ للأهل دوراً بارزاً خلال الحَجر المنزلي في مساعدة أطفالهم في الدراسة عبر الإنترنت، من خلال إستعمال الألعاب. ويجب أن يُدرك الأهل أهميّة التعلّم من خلال اللّعب، في سبيل نموّ شخصيّة الطّفل، وتفاعله الإيجابي مع المادّة الدراسيّة. ويمكن للأهل أن يستعملوا مواد متوفرة في المنزل، أو شراء أغراض بكلفة زهيدة، تُحفّز التصميم والإبداع لدى الطّفل، وتعمل على إثراء الموقف التعليميّ/التعلميّ، وتُنمّي دقّة الملاحظة، تربيّ الذوق، وتعمل على تثبيت المعلومات، وتُتيح فرصة للمُتعة والتفريغ، واكتساب المهارات الحركيّة. وتعطي المربية والأخصائية النفسية بعض الأمثلة لتطبيق اللعب في الدراسة:
– لدفع الطفل للتكلم باللّغة العربيّة الفصحى أو للتعبير بلغة أجنبية، يمكن إستخدام الألعاب التمثيليّة، من لعب الأدوار، إلى سرد القصص، أو حل الكلمات المتقاطعة والألغاز، أو ترتيب وتصحيح وتأليف الجمل… كلّ هذه الأنشطة تتكامل مع القراءة، والتعبير الشفهي، والتحدّث والإستماع.
-لتقوية الطفل في الحساب، يمكن إستعمال ألعاب محسوسة، مثل ألعاب الرمل، والدومينو، والتركيب، والسودوكو، والسلّم والثعبان، والعدّ والذاكرة، والتطابق، والصلصال.
– أما بالنسبة لمادة العلوم: صنع نموذج بركان باستخدام صناديق الكرتون، أو قراءة المقالات العلمية المناسبة لعمر الطفل، أو تطبيق العلوم مثل «درس حول الوزن» من خلال فيديوهات يمكن إيجادها على الإنترنت.
ودور المربي في إستعمال اللعب في الصف؟”
“يمكن أن يستعمل المربي (ـة) في أي صفّ الألعاب في تدريس التلامذة». وتضيف السيدة وفاء يوسف، أنّه «لا بدّ في الأساس من تنظيم وتفحّص كلّ لعبة ملموسة يُستعان بها من حيثُ الأمان، علاقتها بالدرس، وتناسبها لقدرات المتعلّمين، فضلاً عن قدرتها على إيصال المعلومة المطلوبة. وقد يتّم استخدام استراتيجيات الألعاب مثل: لعبة النقطة الضائعة، التي تهدف إلى التمييز بين الحروف المتشابهة شكلاً (ج ح خ)، حيثُ يقوم المعلّم بإعداد مجموعة بطاقات فيها صور، وأخرى فيها كلمات، ويطلب من المتعلّمين قراءة الكلمات وربطها بالصورة، بعد وضع النقطة على الحرف المُناسب. كما يُمكن تنفيذ ذلك بطريقة مختلفة، حيث يُقسَّم المتعلّمون إلى مجموعتين، مجموعة تحمل بطاقات الصور، وأخرى بطاقات الكلمات. وتقوم مجموعة الكلمات بالبحث عن الصورة الملائمة، وتتشارك مع حامل الصورة في معرفة النقطة الضائعة. ويُمكن تطبيق هذه الإستراتيجيّة في الصفيّن الأوَّل والثاني أساسيّ، حيث تختلط الأحرف (خصوصاً نقاط الحروف) على التلامذة الصغار.
ماذا عن الأطفال ذوي الحاجات الخاصة؟
تضيف الأخصائية يوسف، أنّه يجب «التأكّد من أنَّ جميع الفوائد والمزايا المذكورة سابقاً تنطبق على الأطفال ذوي الحاجات الخاصّة، حيثً أنّ اللَّعب قد يُقلّل من تأثير الإعاقة أو الصعوبة. فالطّفل الذي يعاني من ضعف في حواسه أو صعوبة حركيّة، سيساعده اللعب في تقوية حواسه الأخرى، أو تحسين أداء عضلاته. لذلكَ من الضروري الربط ين الخبرات المنزليّة والمدرسيّة، ومعرفة قدرات الطّفل الأساسيّة الأربع، وهي: القدرات الإجتماعيّة، والقدرات الحسية-حركيّة، والقدرات العقليّة والوجدانيّة، ثمَّ التخطيط للعبة أو للأنشطة التربوية التعلميّة والترفيهيّة، بشكل يتوافق مع قدراته. وعند التخطيط للعبة ما، يجب الإنطلاق من:
– الوسائل المحسوسة: مثلاً تعليمه الأحرف عن طريق اللّمس أولاً ثمّ النظر.
– الأشياء المألوفة: مثلاً تعليمه الألوان عن طريق الربط، فاللّون الأخضر مثل العشب، والأبيض كالسكر.
– التكرار والتذكير الدائم بالمعلومات والمهارات السابقة، لأنّه سريع النسيان.
– جعل اللّعبة أو النشاط مرحاً وقصيراً، لأنّه قد يتعب بسرعة».
أخيرًا، من الضروري الإهتمام بتوفير مناخ هادئ وإيجابي، والتعبير للطّفل عن الحبّ غير المشروط، والإكثار من الثناء والمدح، كنوع من المكافأة والتقدير.