كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يترقّب الجميع ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات بشأن الملف الحكومي خصوصاً بعد الحديث عن الدخول المصري على خطّ الأزمة وقيام القاهرة بجولة إتصالات واسعة.
تؤكّد مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” أن مصر غير مُطمئنّة لوضع لبنان أمنياً واقتصادياً، في حين أنّ العامل السياسي هو ما يؤثّر سلباً على كل المجالات.
وتُشدّد المصادر على أن القاهرة حاضرة دائماً في بيروت، وهذا الحضور يكون معنوياً مرّة، ومرات عدّة سياسيّاً بامتياز، لكن الأكيد أن مصر لم تتخلّ يوماً عن دورها في لبنان.
وتُذكّر المصادر بالدور الذي لعبته مصر في الفترة المفصلية التي تلت إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث شكّلت مع المملكة العربية السعودية نواة محور الإعتدال العربي في وجه تمدّد المحور الإيراني – السوري وأطماعه في المنطقة العربية، لكن سقوط الرئيس حسني مبارك وانشغال المصريين بهمومهم الداخلية وأوضاعهم الإقتصادية الصعبة دفعهم إلى التراجع بعض الشيء وعدم إعطاء الوضع العربي إهتماماً كافياً.
اليوم، تعود مصر مع الرئيس عبد الفتّاح السيسي للعب دورها الإقليمي، وتُنسّق خطواتها مع السعودية والإمارات، فالقاهرة لا تريد أن تدخل في صراع الأحجام والنفوذ داخل المنطقة العربية، وبالتالي فإن كل خطواتها مدروسة وتدخل ضمن الإستراتيجية العربية الكبرى.
وشكّل إستقبال السيسي للرئيس المكلّف سعد الحريري نقطة أساسية في رحلة الحريري الخارجية لتذليل العقد التي تواجه مسألة تأليف الحكومة، وسمع الحريري من المصريين الكلام الواضح بأنهم يدعمون مهمته، لكنهم في الوقت نفسه يرون أن لا أمل بخلاص لبنان إلا من خلال تأليف حكومة إختصاصيين وإعادة بثّ الروح في المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون.
وتكشف المعلومات عن أن القاهرة بإمكانها أن تلعب دوراً وسطياً، فهي قادرة على التواصل مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية والفرنسيين والروس وعواصم عدّة، ولا يُشكّل تدخّلها عنصر استفزاز لأحد بعكس قطر، ولهذا السبب، بدأت تكثيف الإتصالات بعواصم القرار من أجل جسّ النبض والبحث في إمكان تحقيق خرق ما في الأيام والأسابيع المقبلة، مع أن الآمال بمثل هكذا تطوّر إيجابي ليست كبيرة.
ومن جهة أخرى، يتمّ الحديث عن إمكان إرسال مصر موفداً إلى لبنان من أجل القيام بجولة محادثات عن قرب والإستماع إلى كل الأفرقاء، على رغم أن مصر تعرف “لبّ” المشكلة وتعرف الدواء جيداً.
في الأوساط المصرية، تدور أحاديث عن إمكانية القيام بمبادرة لبنانية داخلية تدعم مبادرة ماكرون، لكن القيادة المصرية لا تزال تدرس خطواتها بتأنٍّ ولا تريد أن تغرق في الوحول اللبنانية مثلما فعل ماكرون، خصوصاً أنها تعرف تركيبة هذا البلد جيداً ومطّلعة بشكل دقيق على تعقيداته وعقده.
ولا تمانع مصر في القيام بمبادرة لجمع اللبنانيين على غرار “اتفاق الدوحة” وهي مستعدّة لتقديم التسهيلات لهذا الأمر، لكنها تعرف جيداً أنها ستواجه مشكلات كبرى أولاها تنامي نفوذ “حزب الله” الذي يرتبط قراره بإيران واستطراداً بمسار المفاوضات الأميركية – الإيرانية المرتقبة، وبالتالي فإنه سيعرقل مساعي الحلّ إذا لم يتوافق مع إستراتيجية إيران الكبرى.
أما المشكلة الثانية، فهي غياب التوازن عن الساحة السياسية، فعندما أُبرم “إتفاق الدوحة” كان هناك توازن ما بين قوى 8 و14 آذار، أما اليوم فإن رئاسة الجمهورية والأكثرية النيابية في الحضن الإيراني، وهذا الأمر سيُعرقل أي حلّ.
وتتمثّل المشكلة الثالثة التي تدفع مصر أكثر إلى التروي، في خروج الازمة اللبنانية من إطارها الداخلي والإقليمي، واتجاهها لتكون أزمة مدوّلة بعد انفجار المرفأ ودخول باريس على الخط، وربط الصراع اللبناني بتطورات المفاوضات الكبرى في المنطقة ودخول كل الدول على خطّ الازمة. وفي المحصلة، فإن “الفراعنة”، مثل دول عدّة، يرغبون بعودة لبنان إلى طبيعته وبلا أزمات، لكنهم يعرفون أن “تفرعُن” حكّام لبنان سيمنع أي حلّ يصب في مصلحة الشعب والدولة.