كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:
أكد سفير روسيا لدى لبنان ألكسندر روداكوف، أمس، أنّ «اللبنانيين إذا لم يتعاونوا بعضهم مع بعض، فإنه لن تكون هناك فائدة لأيّ تدخل خارجي سيكون دوره مساعداً في حلّ الأزمة اللبنانية». وهناك معنى من هذا الكلام كان قد أكده قداسة البابا فرنسيس، وقاله وزير خارجية قطر خلال زيارته للبنان، وأكده بدوره موفد الجامعة العربية. وهذا ما يعلمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وانطلاقاً منه جَمع الأقطاب السياسيين على طاولة واحدة في أيلول الماضي حيث التزموا تنفيذ المبادرة الفرنسية.
لم يَنتُج من العشاء الذي جمعَ ماكرون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري مَخرج لتأليف الحكومة، ولم يُحرَز أيّ تقدّم حكومياً على رغم استئناف لقاءات التأليف بين عون والحريري، في لقاءٍ مفاجئ أمس، بعد أن كانت هذه اللقاءات قد توقفت منذ 23 كانون الأوّل 2020، وانقطع الاتصال بينهما أقلّه منذ 11 كانون الثاني الماضي، تاريخ اتهام عون الحريري بالكذب. فالحريري لم يأتِ بجديد، بحسب رئاسة الجمهورية، فيما أكد الرئيس المكلف أنّ موقفه ثابت وواضح وهو حكومة من 18 وزيراً جميعهم من الاختصاصيين ولا ثلث معطّلاً فيها لأحد، وأنّ هذا لن يتغيّر لديه. بدوره، يتمسّك رئيس الجمهورية برفضه التشكيلة الوزارية التي سبق أن قدّمها الحريري، مُتشبّثاً بالشراكة في التأليف وبالتوازن في الحكومة وألّا تحمل غبناً لأي طائفة، فضلاً عن ضرورة اعتماد المعايير الواحدة، خصوصاً لجهة تسمية الوزراء.
وتبقى عقدة «الثلث المعطّل» أمّ العقد، كما يقول فريق الحريري وكما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري. فما يُسمّيه هؤلاء الأفرقاء بـ”الثلث المُعطّل”، يعتبره عون حقّاً دستورياً في الشراكة وفي التسمية وضرورة تأمين التوازن، نافياً أن يكون قد طالبَ أو يطالب بهذا الثلث، بل إنّ البعض هو من يُجري عمليات حسابية تُفضي الى أنّ عون إذا حصل على حصّة ما يكون قد حصل على هذا الثلث.
وعلى رغم التداول بمبادرات ووساطات داخلية وخارجية عدة، فإنّ هذه التحركات كلّها تدور في فلك المبادرة الفرنسية المُبارَكة دولياً، خصوصاً أنّ الواضح، بحسب جهات سياسية ومصادر ديبلوماسية، أنّ التأليف، وعلى رغم أنّه داخلي، إلّا أنّ الحكومة العتيدة يجب أن ترضي الخارج، فتوافِق عليها إيران لكي لا تُعرقل، وتحظى برضى الفرنسيين والأميركيين لكي تتمكّن من الحصول على مساعدات المجتمع الدولي إذا أقرّت الإصلاحات المطلوبة.
وترى مصادر مطّلعة أنّه ربما قد يكون طُلِب من القطريين الدعم في هذا الملف، وقد يكونون قد أرادوا الاستفسار تمهيداً للقاءٍ أو خطوة ما، إلّا أنّ زيارة وزير خارجية قطر كانت عبارة عن استفسار ولا دخول على خط وساطة. وتؤكد هذه المصادر أنّ الزيارة القطرية هي بداية لبدايات في ملف التأليف، بحيث سنشهد زيارات وتواصلاً واتصالات أخرى على مستوى لبنان، ولن يبقى الوضع على ما هو عليه. وتعتبر أنّ دولة الإمارات ومصر “أفضل صِلة وصل للبنان مع السعودية، لكن ربما يحتاج المصريون والإماراتيون الى دفع فرنسي في هذا الإطار. كذلك، قد يكون المطلوب من جهة ثانية التحرّك لاستنباط حلّ ما أو اجتراحه”.
في الموازاة، لا تزال مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري قائمة، والتي اطّلع الفرنسيون عليها وكذلك جميع الأفرقاء في لبنان. فهي، بحسب مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي»، تندرِج في إطار المبادرة الفرنسية، ويتوقّف عندها الجميع في الداخل والخارج، فبرّي يحاول أن يُسهّل الأمور ولا يَقسو على أحد، وهو على تواصل دائم مع الفرنسيين. وتوضِح هذه المصادر أنّ مبادرة بري لا تكسر أحداً ولا تُربِح أحداً، بل هي عبارة عن معادلة: رابح ـ رابح. وتقضي بألّا يحصل أي فريق على «الثلث المعطّل» في الحكومة، وأن يرضى الجميع بحكومة اختصاصيين لا يكون وزراؤها مع أي أحد وفي الوقت نفسه ليسوا ضدّه.
في المقابل، يعتبر عون أنّ هناك غُبن في اختيار الوزراء، لجهة أنّ جميع الأفرقاء يُسمّون وزراءهم، فيما يرفض الحريري أن يُسمّي عون الوزراء المسيحيين. إلّا أنّ المصادر القريبة من «الثنائي الشيعي» توضِح أنّ التسمية تجري على قاعدة أنّنا نُسأَل على سبيل المثال: «ما رأيكم بهذا الشاب؟»، فنجيب: «منيح»، أي ألّا يكون الوزير لا مَعك ولا ضدك». وتقول: “لو أنّ هناك إرادة لجَلب وزراء نافرين ضد رئيس الجمهورية، لَقيل لـ”قواتيين”: “تَعالوا”.
وبالتالي، تُساهم مبادرة بري في حلّ عقدة وزارتي العدل والداخلية حتى، وتحديداً اسم وزير الداخلية الذي اتُّفِق على أن يكون بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المُكلف، بحسب المصادر نفسها، إذ بهذه الطريقة يُمكن أن يتفق عون والحريري، فتُطرَح 6 أسماء على سبيل المثال، فيختاران واحداً من بينها، يحظى بإعجابهما ورضاهما ليتولى حقيبة وزارة الداخلية.
وتؤكد المصادر إيّاها أنّ إشكالية التأليف الحقيقية داخلية، ومن «عِنديّاتنا» كما قال بري. فهناك من يريد أن يكسب وقتاً، وهناك اعتبارات تتعلّق بالمعركتين الانتخابيتين المُقبلتين الرئاسية والنيابية، إذ إنه نظراً الى اعتياد التأخير في إنجاز الاستحقاقات الدستورية في لبنان، بحيث يحلّ الفراغ لفترة ليست بقصيرة، هناك سَعي الى الحصول على الثلث المُعطّل في الحكومة التي ستحكم إذا حَلّ أي فراغ.
أمّا بالنسبة الى تمسُّك عون بحقه الدستوري في المشاركة في تأليف الحكومة، فتقول المصادر نفسها: «هناك حق دستوري لرئيس الجمهورية في تأليف الحكومة بالاتفاق مع الرئيس المُكلف، لكن هناك وجهة نظر تقول إنّه لا يحقّ لرئيس الجمهورية أن يُسمّي عدداً من الوزراء». وتضيف: «لنفترض أنّ رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المُكلف يُسمّيان وزراء، فهما يقومان بذلك عن كتلتيهما النيابيتين، وإنّ الحكومة تأخذ الثقة في مجلس النواب وليس من رئيس الجمهورية. وبالتالي، ليأخذ عون وزارات بمِقدار كتلته، علماً أنّها لم تُسمِّ الحريري في استشارات التكليف، وليس أن يُسمّي جميع الوزراء المسيحيين». وعن حقوق المسيحيين، تشير هذه المصادر الى أنّ «الدولة كانت في يد الموارنة، وتحديداً الإدارات المؤثرة فيها، وعلى رغم ذلك لم يحافظوا عليها». كذلك تلفت الى أنّ “الموارنة كانوا يتمتعون بميزات غير موجودة لدى بقية الطوائف، ومنها التعليم والانفتاح على الآخرين”، ناصحةً الموارنة الآن بأن “يجلبوا الآخرين الى عندهم”.
وعلى رغم الجمود الحكومي بين عون والحريري، هناك تضافر جهود داخلية وخارجية لإنجاز التأليف، ورغبة في حسم أمور كثيرة، سواءً لدى الفرنسيين أو الأميركيين، ولكلّ جهة «ضغطها ومَونتها»، بحسب مصادر مُطلّعة. وبالتالي، تسأل هذه المصادر: «هل يمكن الأفرقاء المعنيون في لبنان أن يَخرجوا من صداقاتهم الدولية، وأن يخسروا الأميركيين والفرنسيين ومعهم المجتمع الدولي بكامله، خصوصاً أنّه ليس من السهل إحباط فرنسا وإفشال رئيسها، وأنّ المطلوب ليس كسر أي طرف، بل أن تكون «المعايير واحدة والتنازلات واحدة»؟