أكدت الزيارة الـ15 للرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا المؤكد، وهو أننا سنبقى نراوح مكاننا لأن مكمن التعطيل العميق لتشكيل الحكومة الجديدة خارجي، ولذلك لا حول ولا قوة للأطراف الداخلية التي يتلهّى كل منها بمحاولة تحسين شروطه، في حين أنه عاجز عن الإقدام على تشكيل حكومة قبل ظهور الضوء الأخضر الخارجي.
ونسأل “بالعربي المشبرح”: هل يجرؤ رئيس الجمهورية ومن خلفه النائب جبران باسيل على توقيع مراسيم حكومة قبل أن توافق إيران عبر “حزب الله” على تسهيل الولادة الحكومية؟ وفي الوقت نفسه هل يمكن لفخامة الرئيس ان يستمر في رفض التوقيع حين يأتي الضوء الأخضر الإيراني للسير بالحكومة بموجب صفقة ما مع الولايات المتحدة أو كورقة تقدمها طهران إلى واشنطن؟
وهل يستطيع الرئيس المكلف عدم تقديم تنازلات في حال حصول صفقة ما طُلب إليه بموجبها أن يسير بحكومة ما عكس ما ينادي به؟
الأجوبة معروفة ولا داعي للمزايدة ورفع الشعارات البراقة في حين أن التاريخ الحديث حافل بالأمثلة على ما نورد. الكارثة الحقيقية هي في أن المسؤولين يلعبون لعبة محاولة تحسين الشروط الشخصية والحزبية والفئوية في حين أن لبنان بات في قعر جهنم، وهم لا يأبهون!
إزاء هذه الصورة السوداوية يتأكد للجميع أن لا حلّ سوى بالخروج من دائرة التحكّم الخارجي بقراراتنا الوطنية، وهذا يستدعي أولاً رصّ الصفوف ولمّ الشمل داخلياً لخوض معركة الاستقلال الثالث، بعيداً عن الأنانيات والصغائر والحسابات الضيقة الحزبية والفئوية والطائفية والمذهبية، من أجل تحقيق الاستقلال الثالث، عبر التحرّر من الوصاية الإيرانية وهيمنة سلاح “حزب الله” لاستعادة القرار الوطني والكف عن السماح باستعمال لبنان كورقة في المفاوضات، من أجل الانطلاق في محاولة إعادة البناء على أسس جديدة.
لا يمكن البحث بأي معادلات في لبنان، ولا بأي نظام جديد أو تعديل دستوري، كما لا يمكن استجداء أي مساعدات أو التخطيط لأي عملية إنقاذ اقتصادي قبل خوض معركة الاستقلال الثالث التي وحدها تؤمّن عودة العرب إلى لبنان للمساهمة في إنقاذه ماليا واقتصاديا، كما تطمئن الغرب دولاً وصناديق من أجل تقديم يد العون إلى وطن الأرز.
كما أن أي ثورة ضد الفساد داخلياً لا يمكن أن تؤتي ثمارها في حال استمرار سطوة السلاح الذي أجهض ثورة 17 تشرين في كل ساحاتها، وبالتالي فإن معركة التحرر من السلاح غير الشرعي ستؤتي ثمارها بسهولة في الانتفاضة على منظومة الفساد الحاكمة واستعادة القضاء لنبضه ودوره في المحاسبة والمساءلة بفعل سقوط المحاذير في كل الملفات من انفجار مرفأ بيروت، مروراً بكل الجرائم والاغتيالات السياسية وصولا إلى دهم كل أوكار الفساد ومحاسبة الفاسدين مهما علا شأنهم.
معركة الاستقلال الثالث هي أم المعارك، ومنها تنبثق كل المعارك الأخرى، فإما ننجح فيها وإما سنبكي وطناً كالنساء لم نعرف أن نحافظ عليه كالرجال… فهل نجرؤ قبل الوصول إلى الانفجار الكبير؟!