كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
يتحمل الفريق الحاكم، وفي الطليعة حزب الله، مسؤولية أساسية عما وصلت إليه الأوضاع في لبنان من ترد، وفي الوقت نفسه فللحزب بعض الاعتبارات الخاصة التي تعطيه أسبابا تخفيفية، وفي الحالتين فإن المصلحة الوطنية تفرض مصارحته بالوقائع الدامغة عن حجم مساهمته في الاختلال الذي أوصل البلاد الى هذه الدراما الوطنية التي نعيشها، وفي ذات الوقت لا يمكن التعاطي مع الحزب كونه «غولاً» سياسياً وأمنياً لا يمكن التعامل معه ويجب القضاء عليه.
الحزب له تمثيل شعبي واسع، وهو جزء من النسيج اللبناني ويملك قوة عسكرية كبيرة، ولا يبدو أن شيطنته السياسية والعقائدية تسهم في تحجيم حضوره، بل على العكس، فإن إثارة بعض النعرات – خصوصا المذهبية – غالبا ما تمنحه مزيدا من الالتفاف حوله، وتعطيه مبررا للتصرف بحذر، أو بعدائية تجاه المكونات السياسية والطائفية الأخرى، وهي تدفعه للقيام بأعمال تخرج عن كل المحددات والضوابط، وربما يتم استخدامه من قبل جهات جهنمية كواجهة لعمليات مشينة، منها اغتيالات وخطف وتهريب وتبييض أموال وتهرب ضريبي وتدمير منشآت، وقد أثبتت بعض التحقيقات شيئا من هذه الوقائع، كما أن السياق السياسي الذي حصلت فيه مثل هذه الانتهاكات لا تساعده على تبرئة نفسه منها.
وللحزب ارتباطات خارجية لا يخفيها، وهو جزء من مشروع إقليمي يتعارض مع طموحات غالبية اللبنانيين والعرب، وزيادة تأثيره على سياسة الدولة أوصلت الى عزل لبنان عن أصدقائه وأشقائه، وأحضرت «حبل المشنقة» الخانق للاقتصاد اللبناني، وأدت هذه الزيادة أيضا الى إحداث تغييرات جوهرية على دور لبنان كوطن وكرسالة، وكل هذه التغييرات تنحو باتجاه المؤشرات السلبية، لأنها تتعارض مع طبيعة بلاد الأرز التي حملت أثقالا وخيارات لا تتحملها دولة تعددية وديموقراطية وتوافقية هشة مثل لبنان.
والمسؤولية الكبرى على الحزب تأتي من كونه استثمر بقوة بشريك مسيحي يعتقد أنه ضروري لتغطية استراتيجيته المعلومة والمخفية.
لكن هذا الشريك الذي من أجله تم تعطيل الدولة لإيصاله الى الرئاسة قبل العام 2016، هو ذاته الذي أضاع الدولة وأرداها حضيضا منذ وصوله الى الحكم في نوفمبر 2016 حتى اليوم، وبدل أن يجبر ثقب النزيف المالي، كسر الجرة وأضاع القجة برمتها، ولا يمكن الاقتناع بكل التبريرات التي يطلقها هذا الفريق للتهرب من مسؤوليته عن الانهيار، لأن صاحب القرار هو الذي يتحمل تبعات سياسته، وما حصل كان نتاجا طبيعيا لقراراتهم المتهورة، وفريق الحكم لم يفعل شيئا لإنقاذ الوضع، بل على العكس فهو يثير النعرات ويمارس التعطيل بحجج واهية، وحزب الله لا يستطيع التنصل من المسؤولية كونه القوة الرئيسة التي تدعم هذا الحكم.
من حق حزب الله أن يمتعض من العدائية المتفاقمة ضده في الأوساط السياسية والشعبية الداخلية والخارجية.
لكن الحزب لم يبد أي مرونة في التعامل مع الأطراف اللبنانية الأخرى خارج دائرة حلفائه في حلقة «تفاهم مار مخايل» وهؤلاء الحلفاء لا يحملون مشروعا وطنيا يحمي لبنان، بقدر ما يتطلعون للوصول الى السلطة لاستغلالها، وليس مصادفة أن يصف كبار القادة – ومنهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون – ما يجري في لبنان، بأنه تحالف بين الترهيب والمافيا.
وما يحصل اليوم يشير الى أن الأطراف الممسكة بزمام الأمور في الدولة لا تعير مصلحة لبنان الأولوية، وهم يتعاطون بخفة وباستهتار مع تشكيل الحكومة الإنقاذية الجديدة، وهو ما قد يؤدي الى إسقاط الدولة على ما قال البطريرك بشارة الراعي، والى خسارة الفرصة الذهبية المتاحة على ما أشار سعد الحريري الذي كلفه مجلس النواب بتأليف الحكومة.
اللبنانيون يختنقون من هذه الحياة القاسية التي يغلب عليها البؤس والخوف من المستقبل، بينما أصحاب القرار، ومنهم خاصة حزب الله والتيار الوطني الحر، لا يعطون للتعطيل وللانهيار وللجوع أهمية، بل تبدو أولوياتهم محصورة بطموحات خارجية، أو بالمناكفات الشخصية، ويستعملون حقوق طوائفهم غطاء لحماية رؤيتهم، بينما رعايا طوائفهم منكوبون ويئنون تحت وطأة الفقر والمرض والبطالة. هل يعيد الحزب النظر بأولوياته؟ هذا ما ينتظره كثيرون لملاقاته في منتصف الطريق.