كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يعجز أكثر من معني بملف الفيول عن فهم اللغز الذي لا يزال يحيط بمناقصة الفيول التي تسعى وزارة الطاقة لإطلاقها، بعد الانتهاء من وضع دفتر الشروط مع إدارة المناقصات… ويحول دون إطلاق المناقصة بعد الاتفاق على معظم بنود دفتر الشروط والذي جرى تحصينه بالكثير من الشروط والضوابط الرقابية، فيما البند المرتبط بطبيعة الشركات التي يحقّ لها المشاركة، لا يزال عالقاً بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات.
في الاجتماع الأخير الذي جمع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر ورئيس إدارة المناقصات جان العليّة، في 13 كانون الثاني الماضي، اتفق الفريقان على العودة إلى مجلس الوزراء للاحتكام إلى رأيه في القرار الذي سطّره بتاريخ 2 تموز 2020، لتحديد من يحقّ لها المشاركة في المناقصة. ذلك لأنّ وزير الطاقة يصرّ على حصرية منح هذا “الامتياز” لشركات عالمية، فيما تعتبر إدارة المناقصات أنّ هذه الحصرية مخالفة لقاعدة المنافسة، واذا ما قررت الوزارة اقفال الباب أمام العارضين المحليين، فمن الضروري بنظرها تأمين موافقة استثنائية على هذا المبدأ لكي تسير الإدارة بهذه الحصرية.
وكان العليّة وجه كتاباً إلى وزير الطاقة، على أثر الاجتماع به يرى فيه عرض الأمر على مجلس الوزراء لاتخاذ المناسب بشأنه، ويشير فيه إلى أنّ الإدارة تفسّر قرار مجلس الوزراء “انطلاقاً من القاعدة التي ترعى هذا النوع من النصوص، وهي أنّ المطلق يفسّر على إطلاقه، وتعتبر أنّ مشاركة شركات النفط العالمية لم ترد في متن هذا القرار على النطاق الحصري ولا تحول دون مشاركة الشركات الأخرى الوطنية والمحلية”.
ولفت فيه أيضاً إلى أنّه “من الناحية القانونية، فإنّ المطلق يفسّر على إطلاقه، لا سيما في النصوص التي تتعلق بحرية المنافسة والمبادئ الاقتصادية العامة المكرّسة في الدستور اللبناني، والاستثناء يفسّر حصراً وبصورة ضيّقة في حدود النصّ الذي يجيزه متى وجد، وأنه من الناحية الواقعية، فإنّ الوضع الاقتصادي والمالي الحالي، وفرص نجاح المناقصة وتحصينها من أي طعن محتمل بها، يفرضان توسيع قاعدة المنافسة كما توضيح قواعد المشاركة وآليات التنفيذ قبل إطلاق المناقصة”.
أكثر من ذلك، يقول المدافعون عن قاعدة توسيع دائرة المنافسة، إنّ الشركات العالمية عادة ما تستعين بشركاء محليين، إمّا عبر عقود باطنية (أسوة بنموذج سوناطراك- زيد آر إينرجي)، وإمّا عبر عقود وكالة مع شركات محلية، وفي بعض الأحيان تقوم بفتح فروع لها في الدول المعنية.
ومن هنا، تشدد إدارة المناقصات على ضرورة فتح باب المنافسة وعدم تضييقه بالعارضين العالميين من خلال إدارج نصّ واضح في دفتر الشروط، يتعلّق بكيفية تنفيذ العقد من قِبل الشركة العالمية في حال نجاح المناقصة، من خلال شريك محلي أو أي طريقة أخرى قانونية.
في المقابل، تعتبر وزارة الطاقة أنّ هذا المنفذ يشرّع السمسرة ويفتح باب الهدر من خلال شركات محلية تتولى هي المهمة نيابة عن الشركات العالمية، ولذا تصرّ على إدراج بند يمنع أياً من طرفي العقد التخلي عن موجباته لمصلحة فريق ثالث. ولكن هذا الشرط لا يحول دون قيام عقود باطنية، يوكل فيها العارض الفائز بالمناقصة، بالمهمة إلى شريك غير مرئي، تماماً كما كان يحصل في العقد المنتهية مدّته في 31 كانون الأول الماضي، مع شركة سوناطراك.
ولهذا تصرّ إدارة المناقصات على أن تكون الأمور مضبوطة قانوناً وضمن دفتر الشروط ما يعطي وزارة الطاقة أداة واضحة ومكتوبة لمحاسبة الفائز في المناقصة في حال الإخلال بموجباته، وفي حال كان لديه شريك محلي فإنه يكون مع هذا الشريك ملزماً تجاه الوزارة بالتكافل والتضامن بتنفيذ كامل الموجبات ويكون للوزارة أو الدولة اللبنانية القدرة على مقاضاة من تختار، سواء الشركة العالمية أو الشركة المحلية، أو الإثنين معاً عند الاقتضاء.
بهذا المعنى تحرص إدارة المناقصات على توضيح دفتر الشروط وإسقاط أي غموض ممكن أن يواجه عملية التنفيذ، كما أنّ المقاضاة تصبح أسهل اذا ما توضّحت النصوص، لأنّ استبعاد الشركات المحلية مناقض لمبدأ المنافسة، فيما وضع ضوابط واضحة يحمي حقوق الدولة المالية ما قد يدفع الشريك المحلي، اذا كان موضع شكوك، إلى التشدد في عمله طالما أنّ سيف الرقابة مصلت فوق رقبته، وطالما أنّ العقد يسمح بمراقبة الشريكين، المحلي والأجنبي، بدليل أن العقد المنتهية صلاحيته مع سوناطراك وهو عقد من دولة إلى دولة لم يمنع السمسرات أبداً.
من هنا، الإصرار على الإستفادة من تجربة الماضي لتحصين العقد المستقبلي لكي لا يتحوّل إلى عقد سرّيّ مستتر يحول دون المحاسبة، خصوصاً وأنّ دفتر الشروط يتضمن سلّة ضوابط تجعل من احتمالات الخلل محدودة جداً.
ردّ رئاسة الحكومة
وبالفعل، فقد ردّ الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة على كتاب وزير الطاقة المؤرخ في 18 كانون الثاني 2021، ليشير فيه إلى أنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء لا تملك اختصاص تفسير القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء، لافتاً إلى أنّه بعد مراجعة محاضر ومداولات جلسات مجلس الوزراء ذات الصلة وبناء على توجيهات رئيس مجلس الوزراء وموافقته، “تبيّن أنّه وبعد أن كان مجلس الوزراء وبموجب قراره رقم 7 تاريخ 19/3/2020 قد أطلق مناقصة لتلزيم شراء الفيول أويل والغاز أويل لزوم عمل مؤسسة كهرباء لبنان من دولة إلى دولة ومن دون أي وسيط، عدّل القرار الأول بحيث أصبحت الصفقة من خلال مناقصة دولية تشترك فيها شركات نفط وطنية وعالمية، ثمّ وبموجب قراره رقم 4 تاريخ 2/7/2020، وبناء لطلب وزير الطاقة والمياه أيضاً، عدّل مجلس الوزراء مجدداً القرار الثاني بحيث اقتصرت المشاركة في المناقصة على شركات النفط العالمية من دون الوطنية في حال لم تكن الأخيرة عالمية. مع الإشارة الدائمة وبحسب مداولات مجلس الوزراء، إلى أنّ المقصود بشركات النفط العالمية، هو الشركات العالمية، لبنانية كانت أم غير لبنانية”.
ولكن حتى الآن، تصرّ وزارة الطاقة على أنها لم تستلم كتاب التوضيح رغم تأكيد مصادر حكومية على إرساله، فيما يطالب رئيس إدارة المناقصات جان العلية بإطلاق المناقصة بعد تحصين الدفتر من الضبابية المحيطة بكيفية دخول المناقصة، وكيف يتم التنفيذ من قبل الفائز بالمناقصة؛ بشكل واضح ومكتوب يسهل مراقبة الوزارة اولاً ثم المؤسسات الرقابية الإدارية والقضائية عند الاقتضاء.
وبرأي إدارة المناقصات فإنّ “اطلاق المناقصة هو قاب قوسين أو أدنى بكثير، اذا طبّقت الوزارة بشكل حاسم قواعد المنافسة والوضوح في صياغة دفتر الشروط؛ وانّ هذا الأمر مرتبط بالقانون والدستور من دون سواهما؛ وفي حال وصول دفتر شروط يراعي هذه القواعد، تطلق إدارة المناقصات المناقصة فوراً عملاً بموجباتها القانونية؛ وخلاف ذلك من مراسلات وشرح مداولات، لا قيمة قانونية له، ولا يُعتد به”.