فيما كان مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد العائد من موسكو، يعلن امس ان الجانب الروسي لا يتدخل في الوقت الحالي في الشأن اللبناني ويتيح الفرصة أمام المبادرة الفرنسية، قائلا “هناك اهتمام روسي بالوضع اللبناني، لكن لبنان ليس من أولويات روسيا لأن هناك العديد من الأمور حولهم”، سُجّل اتصالان هاتفيان أجراهما المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، بكل من الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
فقد أعلنت الخارجية الروسية في بيان امس أنه جرى اتصال هاتفي بين بوغدانوف والحريري، وتناول الحديث مسألة الازمة الاجتماعية والسياسية التي يمر بها لبنان حيث جرى التشديد على ضرورة التشكيل السريع لـ”حكومة مهمّة”. وتناول الطرفان ايضا مسألة مساعدة الجانب الروسي للبنان في مكافحة مرض كورونا بما في ذلك ارسال دفعة لقاحات الى بيروت. كما افاد الحزب الاشتراكي ان جنبلاط تلقى اتصالاً من الدبلوماسي الروسي، حيث جرى عرض مختلف الأوضاع العامة وضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة، وأهمية مبادرة روسيا للمساعدة في هذا المجال وتواصلها مع الأطراف المؤثرة بما يساعد في تخطي العراقيل المصطنعة التي تعطل الولادة الحكومية. وقد وجّه بوغدانوف دعوة لزيارة موسكو إلى جنبلاط الذي وعد بتلبيتها حال تلقّيه التطعيم الخاص بوباء الكورونا وتوفر الظروف الصحية المناسبة.
هذه المعطيات، اذا ما تم الجمع بينها، تقود الى استناج أوّلي لكن دقيق الى حد بعيد، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، فحواه ان موسكو مهتمّة بالوضع اللبناني وتحث على تأليف حكومة في أسرع وقت، الا انها، وفي قرار قد يخيّب بعض اهل الحكم، ليست في صدد أي مبادرة جديدة للخروج من الازمة القائمة، بل تؤيد المبادرة الفرنسية التي أعلن عنها الرئيس ايمانويل ماكرون في ايلول الماضي. ولن تكتفي روسيا بالتأييد النظري، تتابع المصادر، بل يبدو ستوظّف علاقاتها لدى حلفائها الاقليميين النافذين لبنانيا، وايران على رأسهم، لتسهيل التشكيل.
هذا الموقف يأتي ليرفد الطرح الفرنسي بجرعة دعم دولية جديدة، تضاف الى الاحتضان العربي والخليجي والاوروبي والبابوي والاميركي الذي يحظى به راهنا، والذي تجلّى في سلسلة محطات وكلمات تكثّفت في الايام الماضية، خلال زيارة الحريري الى مصر والى جامعة الدول العربية، وقبلهما الامارات، وصولا الى زيارة الوفد القطري لبنان منذ اسبوع، وهو على الارجح ما سيتظهّر في قابل الايام مع زيارة الحريري للدوحة غدا مبدئيا، وفي جولته المرتقبة على عدد من العواصم الاوروبية.
دائرة الدعم الدولي للمبادرة الفرنسية تتّسع اذا، ومن الشرق الى الغرب يلتفّ حولها العالم، وهي عابرة للاصطفافات الدولية الاستراتيجية الموجودة اليوم. فموسكو واوروبا المختلفتان بقوة بفعل ملف المعارض الروسي ألكسي نافالني، تلتقيان عند دعم مبادرة باريس. وهذه المعادلة التي تؤكد اهمية الاستقرار السياسي والامني اللبناني في حسابات العواصم الكبرى، يُفترض ان يفهمها اهل المنظومة بالطريقة الايجابية، اي ان يسرعوا الى التشكيل لانه المدخل الى المساعدات المطلوبة ولأن لا بديل من المخرج الفرنسي، لا ان يتعاطوا مع هذا الواقع من زاوية سلبية، فيستخدمونه لابتزاز الخارج. وفي وقت تتوقع ان تستمر المواكبة الدولية للمستجدات اللبنانية، وان تشتد وتيرتها، تسأل المصادر عما اذا كانت هذه الضغوط يمكن ان تتخذ اشكالا جديدة اكثر حزما وقساوة، بما يدفع المتصارعين- بالمباشر وبالواسطة- على حلبة التشكيل، الى فض اشتباكهم وكيدياتهم، ويفرض تأليف حكومة الانقاذ التي طال انتظارها؟