أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ان “المواجهة السياسية مع حزب الله لن تنتهي قبل أن يسلِّم سلاحه للدولة، التي لا يمكن ان تنهض في ظل وجود دولة داخلها، ولا تهاون في هذه المسألة التي حولت لبنان إلى دولة فاشلة بسبب تعليقها دستوره وقوانينه، وأدت إلى عزله عن العالمين العربي والغربي”.
وقال جعجع في حديث نشرته مجلة “Revue Politique et Parlementaire” الفرنسية في عددها الفصلي الصادر في شباط الـ2021، لمناسبة مئوية إعلان دولة لبنان الكبير: “الخلاف مع حزب الله ليس فقط من طبيعة سياسية، إنما أيضا ايديولوجية وثقافية، وبالتالي الهوة كبيرة جدا بيننا وبينه، فالقوات قضيتها لبنان، فيما قضية الحزب الأمة الإسلامية، والقوات تدفع باتجاه ترسيم حدود لبنان تأكيدا لنهائيته، فيما الحزب غير مؤمن بحدود الدول الجغرافية، والقوات مع مشروع الدولة، فيما الحزب مع مشروع دولته، ومع هذا الخلاف الكبير كان كل الهم اعتبارا من العام 2005 تجنب تفجير لبنان وعودة الحرب الأهلية، فتم تنظيم التعايش في مرحلة أولى تحت سقف المؤسسات الدستورية من دون ان يكون هناك اي تنسيق سياسي، بل مجرد تقاطع تقني، وفي المرحلة الأخيرة وصلت “القوات” إلى قناعة بان حتى التنسيق التقني يجب وقفه لأنه يستحيل بناء الدولة من دون رفع يد الحزب والعهد الحالي عنها، وهذا ما يفسِّر مطالباتها بحكومة اختصاصيين مستقلين تماما، لأن مصير اي حكومة الفشل في حال واصل فريق 8 آذار إمساكه بمفاصل السلطة في لبنان”.
وتابع “شكل الحياد جزءا لا يتجزأ من ميثاق العام 1943، والحياد ليس مسألة جديدة او غريبة عن لبنان، بل عندما طبق شهد البلد استقرارا غير مسبوق وازدهارا فريدا من نوعه، وتكفي مقارنة الحقبة التي طبِّق فيها الحياد مع المرحلة التي أسقط فيها هذا الحياد والتي تحول معها إلى دولة فاشلة ومفلسة ومأزومة، وبالتالي لا حل إلا بالعودة إلى انطلاقة الجمهورية الأولى وإعادة إحياء الحياد الذي يشكل أحد أهداف “القوات اللبنانية”، وهذا ما دفعها لاحتضان مبادرة البطريرك الماروني بشاره الراعي الذي يقود أفضل مواجهة دفاعا عن مشروع الحياد من أجل الحفاظ على لبنان ودوره ورسالته”.
وأضاف جعجع “المقصود بالحياد ليس الحياد الاقتصادي، إنما السياسي والعسكري بان لا يقحم لبنان نفسه بصراعات الخارج والمحاور الدولية والإقليمية، لأنه من دون التزام الحياد ستنعكس الصراعات الخارجية على الداخل بانقسامات عمودية بين اللبنانيين بين هذا المحور وذاك، فتسقط الدولة على غرار ما هو حاصل اليوم”.
وأكد جعجع ان “فرنسا ما زالت الحليف الاستراتيجي الأول للبنان، فباريس لا تتعامل مع لبنان على قاعدة المصلحة، إنما انطلاقا مما يجمعها مع اللبنانيين من روابط تاريخية وثقافية وسياسية، وهناك شعور متبادل بالارتياح، ولم توفر فرنسا مناسبة إلا وترجمة مشاعرها حيال لبنان، إن في مؤتمرات الدعم الاقتصادية، أو في المنعطفات المصيرية مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهي تضع كل جهدها لمساعدة لبنان واللبنانيين، والدليل الأخير أن الرئيس إيمانويل ماكرون ترك كل انشغالاته واهتماماته والأزمة الصحية التي تضرب العالم ومنها فرنسا، وتوجه إلى لبنان متضامنا على أثر انفجار 4 آب، وباحثا عن الحلول المرجوة من أجل إخراج لبنان من أزمته، وقد شكلت زيارته ارتياحا شعبيا واسعا. وفي موازاة الدعم الدائم للدولة الفرنسية للبنان، فهناك علاقة مميزة وتاريخية تجمع الشعبين اللبناني والفرنسي”.
وقال: “لم يتبدل الدور المسيحي منذ ما قبل نشأة الكيان اللبناني إلى اليوم، ويتمثل هذا الدور في إقامة دولة تتسع للجميع وترتكز على الحرية والديموقراطية والتعددية، وهذا الدور المسيحي بالذات جعل من لبنان “سويسرا الشرق”، وذاك الجسر بين الشرق والغرب، وتمثِّل “القوات اللبنانية” امتدادا لهذا الخط التاريخي من خلال دفاعها المستميت عن الدولة والسيادة والاستقلال والحرية والشراكة والمساواة والشفافية في ممارسة الشأن العام”.
وتابع: “لم يضرب هذا المشروع إلا بسبب وجود فريق مثل “حزب الله” خرج عن إجماع اللبنانيين بحمله للسلاح على حساب الدولة، وحمله مشروعا سياسيا يتناقض مع جوهر دور لبنان ورسالته، والأسوأ من كل ذلك ان “التيار الوطني الحر” الذي بنى شعبيته وشرعيته على الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله، أقام تحالفا مع “حزب الله” الذي يحول دون قيام الدولة، فخرج التيار عن الخط التاريخي المسيحي بتغطية مشروع سياسي يتناقض مع كل فلسفة المسيحيين ونظرتهم للدولة في لبنان. فالدور الفاعل للمسيحيين في لبنان هو بفعل التزامهم هذا الخط التاريخي وحرصهم على صيانته، وعندما ضرب هذا الخط سقطت الدولة وتفككت، ولا خلاص للبنان سوى بالتقيد بمسلمات المشروع اللبناني وثوابته، والحرب التي شنت وتشن على “القوات” سبهها تمسكها بهذا الخط الذي تشكل رأس حربته، لأن هناك من يريد دوما إبقاء لبنان ساحة لا دولة”.
وأضاف: “لقد دلت التجربة التاريخية انه في كل مرة سقط فيها الحياد سقط الاستقرار، وفي كل مرة احترم فيها الحياد ترسّخ الاستقرار، ومن يدعم الحياد يدعم العيش المشترك في لبنان، ومن يقف ضد الحياد يقف ضد العيش المشترك، لأن إسقاط الحياد يؤدي إلى ضرب العيش معا”.
وأوضح جعجع ان “البرنامج الذي على أساسه ترشحت إلى رئاسة الجمهورية ارتكز على شعار “الجمهورية القوية” الذي لا يمكن ان يتحقق سوى عن طريق ثلاثية كيانية: أولا، استقلال لبنان الناجز في ظل دولة حرة وقادرة، تفرض سيادتها بمؤسساتها الشرعية حصريا. ثانيا، احترام الدستور والالتزام به نصا وروحا، والحرص على تطبيقه من دون استنساب، أو فئوية او تدوير للزوايا، تحت أي مبرر كان. ثالثا، حياد لبنان كضمانة لاستمراره وطنا محصنا في مواجهة محاذير تمدد الحروب والصراعات الخارجية نحوه، مع التشديد على التضامن مع العالمين العربي والدولي، في ما يتعلق بالقضايا الإنسانية والسياسية المحقة، وفي طليعتها قضية فلسطين”.
وقال: “لبنان يعاني فقدان للسيادة وقوى سياسية تنتهك سيادته وتضرب علاقاته مع الخارج، كما انه يعاني من قوى سياسية فاسدة وتفتقد إلى الخبرة وحسن إدارة الدولة، وهذا التلازم بين السلاح والفساد لا يمكن مواجهته والقضاء عليه إلا بالإصرار على قيام الدولة الفعلية، حيث ان بسط سيادة الدولة يشكل مدخلا لتغيير كل منظومة إدارة الدولة وتحويلها من فاشلة إلى ناجحة ومنتجة. أما لجهة ترشحي على رئاسة الجمهورية فلكل حادث حديث، لأن الأولوية اليوم هي لإخراج لبنان من أزمته المالية الحادة والتي في حال استمرارها هناك مخاطر كبرى على الاستقرار”.
وعن دور لبنان في المنطقة، أجاب: “لا يمكن ان يكون لبنان إلا هو نفسه بدوره ونموذجيته ورسالته، وهذا الدور بالذات الذي جعل منه وعلى رغم صغر حجمه قيمة عالمية، فلبنان هو الوحيد في العالم الذي يتشارك فيه المسيحيون والمسلمون بكل مذاهبهم في السلطة وفي دولة مدنية قائمة على الحرية والديموقراطية، ويشكل لبنان على هذا المستوى رسالة لتفاعل الحضارات بدلا من تصادمها، ومساحة للحوار الخلاق وقبول الآخر كما هو عليه، ولكن من أجل ان يستعيد هذا البلد دوره على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي والسياحي، كما رسالته في هذا العالم، يجب ان يستعيد سيادته واستقلاله وقراره، وهذا ما نناضل من أجله، وسنواصل هذا النضال إلى ان يعود لبنان دولة طبيعية أولويتها الانسان والاستقرار والسلام”.