في 2 تشرين الثاني 2020، غادر بيروت السفير السعودي وليد البخاري، في اجازة، اعتبرتها بعض الاوساط آنذاك رسالة تعبر عن عدم ارتياح المملكة للمسار السياسي اللبناني متوقعة عدم عودته، خصوصا ان الاجازة امتدت اشهرا، اذ ان السفير لم يعد الا منذ ايام قليلة، لكنه دحض بعودته كل التأويلات التي نسجت حول سحبه من لبنان وتخلي المملكة عن البلد الشقيق اعتراضا على التصاق فريق سياسي بايران وفرض قراره على السلطة المتعاونة معه وشن حملات سياسية واعلامية ضد الرياض، من دون ان ينبري اي من اركان هذه السلطة الى الاستنكار، الامر الذي ولّد فتورا في العلاقة لا يخفى على احد.
يوم امس وفي اول اطلالة من خارج فلك لقاءاته الدبلوماسية التي دأب على عقدها في بيروت منذ عودته، من دون ان يخص اي رجل سياسي لبناني بزيارة، حط السفير البخاري في دار الفتوى، وجدد التأكيد بعيد لقاء المفتي عبد اللطيف دريان ان “السعودية لن تتخلى عن الشعب اللبناني الشقيق وستبقى داعمة له ولمؤسساته”. موقف يُقرأ منه، بحسب ما تقول مصادر سياسية لـ”المركزية” تأكيد على استمرار اهتمام المملكة بلبنان ولكن، كما سائر الدول الرافضة لهيمنة حزب الله ومن خلفه طهران على قراره، دعم الشعب لا السلطة السياسية والمنظومة الحاكمة التي يمثلها العهد. من هنا يمكن فهم تجنب السفير السعودي عقد اي لقاء مع مسؤول لبناني وحصر مدار اجتماعاته بنظرائه العرب والاجانب في اطار حملة ديبلوماسية واسعة، لم تكشف المصادر عن اهدافها خارج اطارها الاستشاري والاستطلاعي، مؤكدة انها ستشمل في الايام المقبلة كلاً من السفيرتين الفرنسية آن غريو والاميركية دوروثي شيا في بيروت.
تضع المصادر حركة البخاري الدبلوماسية المستجدة في سياق استطلاع مواقف الدول من المستجدات في لبنان واطلاعهم على موقف بلاده منها، كاشفة انه اجتمع منذ عودته الى لبنان بنحو 21 سفيرا ، وبقي بعض هذه الاجتماعات بعيدا من الاضواء نظرا لخصوصيته. اما استثناء اللقاءات السياسية اللبنانية من اجندة مواعيده راهنا، فتشير الى انه سيبقى ساريا الى ما بعد تشكيل الحكومة، وتعزوها اولا الى عدم الرغبة بتوجيه اصابع الاتهام الى المملكة بتدخلها في ملف التشكيل، علما ان كثيرين من الفريق السياسي المناهض يتحينون فرصة كهذه وينتظرون على الكوع لفتح منابرهم لاستغلال الظرف واتهام السعودية بعرقلة التشكيل، وهم يغمزون من هذه القناة حتى في غياب الرياض عن المشهد التشكيلي، فكيف بالاحرى إن اطلت، موضحة ان الزيارة الى دار الفتوى تتسم بطابع خاص بعيدا من السياسة.
وفي علاقة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري مع المملكة وما يتردد عن زيارة اليها، تجزم المصادر ان لا شيء في الافق راهنا، ليس لعدم الرغبة، بل من ضمن قرار الابتعاد عن المشهد التشكيلي، ذلك ان اي خطوة من هذا النوع ستوظف في بازار السجالات والاتهامات، وهي في غنى عنها.
صحيح ان الرياض مبتعدة في العلن عن المسرح السياسي اللبناني، بيد انها تتابعه عن كثب وتوليه كامل عنايتها من خلال حركة الاتصالات الدولية، لا سيما مع باريس وواشنطن وموسكو والقاهرة، تؤكد المصادر، وليست في وارد التخلي عنه، على رغم انها تعتبره مخطوفا ورهينة لدى ايران تستخدمه في حربها ضدها، وتأخذ على السلطة السياسية عدم حسم خيارها ورد الجميل لمن ساندها طوال عقود، لكن متى تحرر وعاد الى موقعه العربي الطبيعي ستكون العودة السعودية قوية وفاعلة على المستويات كافة.