تعالت مساء الخميس، من أمام قصر العدل في بيروت، صرخات أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي خلف عشرات القتلى والجرحى، يوم الرابع من أب الماضي. فقد رفع الأهالي الذين لا يزالون ينتظرون بوادر أمل لمحاسبة أي مسؤول عن الكارثة التي حلت بالمدينة، خاطفة أرواح ما يقارب 200 شخص لافتات تتهم مسؤولي الدولة بالفساد والتقصير، وتطالب بالمحاسبة.
بملابسهم السوداء، وصور أحبائهم، تجمعوا للاحتجاج على استبعاد القاضي فادي صوان من التحقيق، هاتفين “أين أصبحت نتائج التحقيقات؟”.
بينما جلست امرأة على الأرض وأجهشت بالبكاء، فيما قالت أخت أحد الضحايا “كان عندنا أمل ولو واحد بالمية أنه ممكن نجيب حقنا… فجأة لقينا حالنا عن جد في بلد عفن… بيكفي تعبنا والله وبدنا الحقيقة”.
نفق مظلم
أتى هذا التحرك، بعد أن دخلت التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت في نفق مُظلم مع إعلان محكمة التمييز الناظرة في الملف نقل الدعوى المقدّمة من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر للارتياب المشروع من يد القاضي فادي صوان وإحالتها على قاض آخر يُعيّن وفقاً لنص المادة 360 من أصول المحاكمات الجزائية.
أتى قرار محكمة التمييز أمس بعد استئناف صوان أخيراً تحقيقاته في الانفجار الذي مرّ عليه أكثر من ستة أشهر مخلّفاً أكثر من مئتي قتيل وآلاف الجرحى فضلاً عن خسائر كبيرة بالأملاك العامة والخاصة.
تعيين بديل
وعن الخطوات اللاحقة، أوضح مدّعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي لـ”العربية.نت” “أن وزيرة العدل يفترض أن تُرسل لاحقا كتاباً سرّياً الى مجلس القضاء الأعلى يتضمّن اسم القاضي الجديد، فإذا وافق عليه تُصدر قراراً بتعيينه بشكل رسمي، أما إذا رفض يتوجّب عليها اقتراح اسم قاضٍ آخر، وتستمر بهذه الطريقة إلى أن يوافق مجلس القضاء الأعلى على الاسم رسمياً”.
وكان من المُفترض أن يستجوب صوان الخميس وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس والمدير الإقليمي السابق للجمارك في بيروت موسى هزيمة بصفة مدعى عليهما، غير أن فنيانوس، رفض الحضور بحجّة أن التبليغ أتى مخالفاً أصول المحاكمات الجزائية. فحدد صوان 23 شباط الجاري موعداً جديداً لاستجوابه بعد تبليغه أصولاً.
تأخّر تعيين محقق عدلي جديد
وأشار القاضي حاتم ماضي إلى “أن تعيين محقق عدلي جديد يعود حصراً لوزيرة العدل، ومن المتوقّع تأخّر صدور قرار التعيين، لأن الوزيرة ستقف عند رأي القاضي المُقترح قبل تعيينه بشكل رسمي محققاً عدلياً، وهذا سيأخذ وقتاً، خصوصاً إذا رفض مجلس القضاء الأعلى أكثر من مرّة الأسماء التي تقترحها وزيرة العدل”.
إلى ذلك، أسف “لأن التحقيقات تعرّضت للانتكاسة منذ اليوم الأوّل على تعيين القاضي فادي صوان محققاً عدلياً”.
وأتى قرار تنحية صوان بالتزامن مع موافقة النيابة العامة التمييزية على طلب تخلية رئيس اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، المعفى من مهامه بناء على مرسوم صادر عن رئيس الحكومة، ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف المدعى عليهما في جريمة انفجار المرفأ.
تصعيد أهالي الضحايا
ومع تنحية المحقق العدلي يتّجه أهالي الضحايا إلى التصعيد، رفضاً لمحاولات طمس حقيقة من فجّر نصف العاصمة فوق رؤوس أهلها.
وأعلن المتحدّث باسم الأهالي، إبراهيم حطيط لـ”العربية.نت” “أنهم يتّجهون إلى التصعيد رفضاً لتنحية صوان، مثل نصب خيم أمام محكمة التمييز في وزارة العدل في منطقة العدلية في بيروت إلى حين تعيين محقق عدلي جديد سريعاً”.
كما أضاف “كنا نتخوّف من أن يُقرر صوان التنحّي عن التحقيقات بسبب الضغوط السياسية التي تمارس عليه، لكن يبدو أنهم “سبقوه” بالقرار بكفّ يده عن الملف”.
وكان التعطيل السمة الأساسية التي رافقت التحقيقات في جريمة المرفأ، بالإضافة الى الإرجاء والضغوط السياسية، وهو ما أعاق عمل المحقق العدلي القاضي فادي صوان.
تحقيق دولي
وفي الإطار، أكد حطيط “أننا قد نلجأ إلى المطالبة بتحقيق دولي، لأن ما حصل مع صوان يؤكد أن القضاء في لبنان غير شفّاف، ويبدو أن الضغوط السياسية فعلت فعلها لجهة “تطيير” التحقيقات”.
وفي الأسابيع الأخيرة، سطّر القاضي صوان استنابات قضائية للأجهزة الأمنية اللبنانية، لتبيان كامل هوية السوريين جورج حسواني والشقيقين مدلل وعماد خوري القريبين من النظام السوري، الذين أشارت تحقيقات صحافية عدة إلى ضلوعهم بصفقة شحنة نيترات الأمونيوم التي دمّرت نصف العاصمة بيروت.
إقرأ أيضًا: