IMLebanon

طيف التوحّد لدى الأطفال دون الثلاث سنوات

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

قبل أكثر من 10 سنوات، لم نكن نسمع عن حالات أطفال يعانون طيف التوحّد، ويعود ذلك إلى عدة فرضيات، أبرزها عدم وجود تشخيص علمي طبي دقيق آنذاك، أو حتى عدم القيام بأي تشخيص في بعض الأحيان. ولكن حالياً وبفضل تقدّم العلم، أصبح الأخصائي النفسي قادراً، وبسهولة، على تشخيص حالات التوحد عند الأطفال من خلال بعض الاختبارت النفسية، ويمكن أن يعرض هذا التشخيص قبل عمر الثلاث سنوات.

وللتكلّم عن هذا الموضوع، حاورت «الجمهورية» السيدة عليا عبّاس، إختصاصية في العلاج الانشغالي وفي المتابعة النفس-جسدية، ودار الحديث حول تحديد ما هو التوحّد عند الأطفال وخصائصه ما قبل الثلاث سنوات وكيفية التعامل معه.

ما هو طيف التوحد عند الأطفال؟

هو إعاقة تلازم الطفل منذ صغره، وبعض المدارس النفسية تعتبر أن الطفل يُخلَق مصاباً بالتوحد. عند الشخص أو الطفل المتوحّد مشكلة، وهي عدم استيعاب الدماغ للمعلومات الحياتية، وعدم معالجة الأمور والمشاكل وتحليلها إلّا بطريقته الخاصة.

وتفسّر الأخصائية في العلاج الإنشغالي بأنّ «التوحد هو اضطراب في النمو العصبي، يتميّز بوجود 3 أعراض محددة: ضعف في التفاعل الاجتماعي، ضعف في التواصل، إهتمامات وأنماط سلوكية متكررة. وتبدأ الأعراض تدريجاً قبل عمر الـ6 أشهر، وتثبت عند بلوغ العامين أو الـ3 أعوام. إنّ السبب غير محدد وغير معروف، لكنّ الأبحاث الحالية تربط التوحّد بالاختلافات البيولوجية والعصبية في الدماغ».

وتضيف عبّاس أنّ هناك نقصاً في المعطيات حول انتشار طيف التوحد في الدول العربية، وخاصة في لبنان، حيث قدّرت دراسة أجريت سنة 2016، في محافظتي بيروت وجبل لبنان، انتشار اضطراب طيف التوحد بحوالى 1.53 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و48 شهراً.

دور الأهل في اكتشاف طيف التوحّد عند طفلهم

تعتبر عبّاس أنه قبل عمر الـ6 أشهر، تظهر عند الطفل المصاب بطيف التوحّد أعراض، مثل: اللامبالاة تجاه الأصوات، غياب الاستجابة للابتسامة، إضطرابات النوم الحادّة والمبكرة، الهدوء الشديد… أما بعد هذا العمر، فإننا نلاحظ عوارض أخرى كتأخّر التواصل اللغوي أو غيابه، وردّات فِعل مُبالغ فيها تجاه الضوضاء، وغياب مهارة التقليد، وغياب قلق الانفصال عن الأم، وقلّة التواصل البصري…

وفي العام الثاني، تظهر العوارض السابقة بالإضافة إلى اضطرابات التواصل البصري واللغة، والعدوانية الذاتية، واضطرابات حسية (عدم تَقبّل ملامس معينة، واختيار محدود لأطعمة محددة، والخوف من أصوات معيّنة)، وتأخّر في المهارات الحِس-حَركية (مثل إدراك أعضاء الجسد، وإمساك القلم، والتوازن والمشي)، فضلاً عن ظهور سلوكيات متكررة (مثل رَفرفة اليدين، وتكرار أصوات محددة، وأرجحة الجسم…).

الأهل في البيت مع طفلهم المتوحّد

تضيف عبّاس أنه لتأدية دور أساسي لنمو الطفل المتوحد، يمكن للأهل القيام ببعض الأنشطة في سبيل تحفيز مهارات طفلهم المختلفة وتطويرها، كالأنشطة الحسية: صنع أشكال بالمعجون، الرسم بالتلوين المائي، اللّعب بالرمل، إستخدام اللّيزر في العتمة، اللّعب بفقّاعات الصابون، وسماع الموسيقى؛ أو الأنشطة الحركية الكبرى: رَمي الطابة، القفز، ركل الكرة، التوازن، صعود السلالم ونزولها.

وتضيف الأخصائية في العلاج الانشغالي، السيدة عليا عباس أنّ هناك الأنشطة الحركية الدقيقة: تعليق ملاقط الغسيل، شك الخرز، التقاط أغراض بالإبهام والسبابة؛ والأنشطة الذهنية: حَل الألغاز (بازل)، ألعاب مطابقة الألوان والأشكال، تركيب اللّيغو، ترتيب الأغراض من الأكبر إلى الأصغر؛ وأنشطة التواصل: تقليد أصوات الحيوانات، ترداد ألحان وأغنيات إيقاعية، اللّعب بالدمى، تقليد الحركات أمام المرآة… هذه الاختبارات تساعد الأهل والطفل في التطور والقدرة على التواصل مع الآخر.

دور التدخّل المُبكر

وتشير عبّاس إلى أنّ التدخّل المُبكر هو نهج متعدد الاختصاصات، ويشمل: العلاج وإعادة التأهيل (تقويم النطق واللّغة، العلاج الإنشغالي، العلاج النفسي…)، والدعم الصحي والإجتماعي، ومتابعة الأهل… وذلك في سبيل تطوير مهارات وقدرات معيّنة عند الطفل، مثل التواصل البصري أو اللّعب الرمزي أو التفاعل الاجتماعي، كما يمكن أن تقلّل هذه العلاجات المركّزة من بعض السلوكيات مثل إيذاء النفس أو السلوكيات التكرارية. لذا، فإنّ التدخل المبكِر يزيد من فرَص تخفيف أعراض التوحد، كما يتطلّب مشاركة الأهل في الخطة العلاجية وتفاعلهم.

وينحَصر دور اختصاصي العلاج الإنشغالي في خطوتَيْ التقويم والعلاج، حيث يقوم بمراقبة الطفل لمعرفة ما إذا كان بإمكانه القيام بالمهام المتوقَّع منه القيام بها في سِنّه، مثل ارتداء الملابس أو اللّعب.

ويقوّم المعالِج ما يلي: المهارات البصرية (الانتباه والتركيز)، والمهارات الذهنية (الذاكرة، التصنيف، والمطابقة، والتوجه المكاني والزماني)، والمهارات الحركية الكبرى (التناسق الجسدي، والتوازن، والقفز) والحركية الدقيقة (المهارات اليدوية، والقوة العضلية للأصابع، وتَآزُر اليدين)، بالإضافة إلى المهارات الحسية المختلفة (الاستجابة للملامس المتنوّعة، وتقبّل تذوّق نكهات مختلفة…).

وتختم بأنه بعد الانتهاء من التقويم، يقوم المعالِج الإنشغالي بوضع خطة عمل خاصة تتضمّن أهدافاً علاجية قصيرة وطويلة الأمد، بالتعاون مع الأهل، في سبيل تطوير مهارات الطفل الحس-حركية، بشكل يُمكِّن الطفل المصاب بالتوحّد من أن يكون مستقلاً قدر الإمكان.